الحرب العالميَّة الثالثة

آراء 2022/03/26
...

 يعقوب يوسف جبر 
 
بنشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا تطوى صفحة الحرب الباردة، لتبدأ الحرب العالمية الثالثة، لكن وسائلها هذه المرة السلاح التقليدي فقط وليس السلاح النووي كما يعتقد بعض المراقبين، والملفت للنظر أنها بدأت في أوروبا كما بدأت الحربين الأولى والثانية في أوروبا، أما الحديث عن استخدام السلاح النووي فهو محض دعاية وهراء، لكن ما هو السبب الرئيس في نشوب هذه الحرب؟. 
إنَّ ما يجري من حرب في أوكرانيا إنما هي حرب مباشرة بين الرأسمالية الغربية من جهة وروسيا التي شعرت بخطر داهم على أمنها القومي، فالولايات المتحدة الأميركية ومن يسير في فلكها كانت تعمل عبر الحرب الناعمة على توسعة حلف الناتو لابتلاع روسيا، ولو افترضنا أنها استمرت فإنها قد تنجح في استمالة دول أخرى للانضمام الى حلف الناتو، ومنها دول الاتحاد السوفيتي السابق، لذلك فلولا قيام هذه الحرب فمن المؤكد أن حلف الناتو سيتوسّع ثم ينقض على دولة روسيا لكي تتفرّد الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في الهيمنة على العالم أجمع .
وبحسب موازين القوى ومعاييرها فإن الجيش الروسي سيتمكن من تحقيق أهدافه في أوكرانيا، لكي تضع هذه الحرب التقليدية أوزارها .
أما افتراض استخدام السلاح النووي من قبل الطرفين فهو افتراض لا واقع له، فلو تصورنا جدلا أن أطراف النزاع سيستخدمون السلاح النووي، فمعنى ذلك انهيار العالم أجمع وهذا المصير يخشاه الجميع .
إنَّ هذه الحرب تكتنفها جولات مفاوضات بين الطرفين مما يشير الى نهاية وشيكة، ومن أبرز الأدلة على قرب نهايتها نجاح التمدد الروسي في أوكرانيا وانهيار ماكنة الجيش الأوكراني الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة في انتظار أن يرفع راية الاستسلام البيضاء .
أما بخصوص دور الإعلام الموجه من الطرفين في هذه الحرب فهو وسيلة من وسائل الحرب النفسية، وقد لعب دورا كبيرا في تضليل الرأي العام وتوجيهه ولو بشكل نسبي، إذن هذه الحرب ليست حرب سلاح تقليدي فقط بل هي حرب دعاية، فمن ينجح ويتفوق دعائيا فإنّه سينتصر في النهاية وسوف يفرض شروطه على الطرف الآخر ويدفعه الى الإذعان، لكن شرط تفوقه على الأرض عسكريا وقتاليا .
وعندما تتجلى نتائج هذه الحرب ستبدأ مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، وستتفكك أسطورة القطب الواحد وستتلاشى نظرية نهاية التاريخ التي وضعها المفكر الاميركي فوكوياما لتصبح مجرد افتراض لا أكثر ولا أقل .
فلقد افترض فوكوياما مستيقنا من افتراضه أن الرأسمالية هي الحكم الفصل وهي التي فقط التي يحق لها كثقافة أن تسود، بعد موت الاشتراكية من دون أن يلتفت الى نمو عقل إنساني جديد لا صلة له بالرأسمالية وليس هو من بقايا الاشتراكية، بل هو العقل المتوازن الذي يؤمن بحقوق الشعوب كافة من دون تمييز طبقي او عرقي او أممي او شعوبي .
إذن يبدو أن هذا العقل المتحرر قد بدأ ينمو  وسيزيح كل تابوهات الهيمنة والاستحواذ لكي تتنفس البشرية الصعداء بعد قرون طويلة من الحيف والاضطهاد .
فهل ستسفر هذه الحرب عن تشكل ملامح عالم إنساني جديد؟