دور المنظمات الدوليَّة في ما آلت إليه الديمقراطيَّة في العراق

آراء 2022/03/26
...

  سعد الراوي
ليس خافياً علينا جميعا دور البعثة الدولية للأمم المتحدة في العراق في تأسيس اللبنات الأولى في البناء الديمقراطي، فبموجب أمر سلطة الائتلاف 92 لسنة 2004، تمَّ تشكيل أول مفوضية مستقلة للانتخابات في العراق، ولا ينكر أحد دور المنظمات الدولية في تأسيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق
 
 خصوصاً بعثة الأمم المتحدة في العراق، حيث كان لها الدور الكبير في اختيار أول مجلس لمفوضية الانتخابات وهي والمجلس اختاروا مدراء مكاتب المحافظات واكملوا جميعا الكوادر المتبقية، وبإشرافهم ووجود عشرات الخبراء منهم ومن منظمات دولية أخرى تمَّ انجاز أول الانتخابات بعد 2003م والاستفتاء على الدستور العراقي عام 2005م .. الخ، وفي 2007م شرع مجلس النواب العراقي قانون خاص بمفوضية الانتخابات رقم 11 لسنة 2007م، وعلى ضوئه تمَّ تشكيل مجلس مفوضية جديد وتم تشريع قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية والنواحي وقانون انتخاب مجلس النواب العراقي.. الخ. كل هذه القوانين والإجراءات والانتخابات تمت بمساعدة الأمم المتحدة ومنظمة الآيفس بشكل رئيس، وكان لهما مكاتب في مبنى مفوضية الانتخابات العراقية وهناك منظمات دولية أخرى ساهمت بشكل أقل كمنظمة ( NDI – IRI - .. الخ).
 وتأسيساً لما تقدم لا بدَّ أن لا ننكر دور الأمم المتحدة في تدريب وتأهيل كوادر المفوضية العليا للانتخابات، خصوصاً الأقسام الفنية والكوادر المتقدمة في إدارة الانتخابات وأنا شخصيا شاركت بورش لمدراء مكاتب المحافظات عندما كنت مدير لمكتب انتخابات الانبار (2004 - 2007م) وورش للمفوضين الجدد في 2007م في دول ديمقراطية كالهند وكوريا الجنوبية وأستراليا، وبصراحة كان لهذه الورش الأثر الكبير في تعليمنا أسس ومبادئ الانتخابات والديمقراطية والاطلاع على تجارب دول متقدمة في
 الديمقراطية. ما زلت اعتبر كل ما جرى ويجري من عثرات في الطريق الديمقراطي السليم هو أمر طبيعي، ولكن أن نبقى من دون معالجات والاخفاقات تتراكم وتتضاعف هذا ما يؤلم، وهو ما دعاني لكتابة هذا المقال وبهذا العنوان لنعرج فيه على دور المنظمات الدولية، خصوصاً التي حددها المشرّع العراقي بأن تكون عوناً للمفوضية في معظم القوانين 
الانتخابية.
لكن بعد مرور أكثر من عقد ونصف من السنين على الديمقراطية في العراق، فمن المفروض أن نجد تطورا واضحا وملموسا في {الثقافة الديمقراطية/ الأداء السياسي/ منظومة انتخابية متكاملة وشاملة ووفق المعايير الدولية للانتخابات/ .. الخ}، لكن مؤلم أن نقول بتراجع ذلك ولا نقول السبب من طرف أو جهة فحسب، ولكن لا بد أن يكون هناك دور واضح لتصويب الخلل ومعالجته، سواءً في القوانين أو الأداء أو الثقافة الديمقراطية عموماً والانتخابية
 خصوصاً.
وسنعرج بإيجاز في النقاط التالية على دور بعثة الأمم المتحدة، خصوصاً والمنظمات الدولية الأخرى عموماً في تأسيس الديمقراطية في العراق:  
1 - هناك ممثلون عن كثير من المنظمات الدولية في العراق كالأمم المتحدة والايفس والمعهد الجمهوري الأميركي.. الخ، وهؤلاء لديهم العديد من الخبراء الدوليين وفي معظم الأمور الفنية والقانونية للانتخابات. لكن دورهم في تضاؤل أو اضمحلال وهذا ما أدى إلى ضعف الثقة بينهم وبين جمهور المواطنين وحتى كثير من الأحزاب السياسية، رغم دعوة بعض الأحزاب بأن يكون دور الأمم المتحدة اشرافا وليس مراقبة فقط.
2 - ضعف دورهم أو انعدامه في تشريع قوانين انتخابية تلبي الطموح وتناغم المعايير الدولية للانتخابات، التي رُكِنَتْ جانباً وخصوصاً في القانون الأخير رقم 9 لسنة 2020م. فقد وجدنا قوانين الدول الديمقراطية مئات الصفحات وقانوننا الانتخابي بحدود 30 صفحة مع ملاحقه وجداول ترسيم الدوائر، حيث فيه عدم وضوح بكثير من فقراته وبعضها متناقض وأخرى غير قابلة 
للتنفيذ.
3 - كمنظمات دولية عريقة بالديمقراطية والانتخابات هل لها أن تصمت دون أن تعلن رأيها في أهم فقرة من فقرات أي قانون انتخابي أو تجربة ديمقراطية، وهو وجود سجل ناخبين مكتمل شامل لا يستثني أحدا، ولم تضع خطة أو مقترحا بديل لإكمال سجل الناخبين، الذي مضى عليه أكثر من 8 سنوات ولم يكتمل وبموجبه تم حرمان الملايين من التسجيل أو التصويت. 
4 - اذكر قبل انتخابات 2009م لمجالس المحافظات العراقية كنا طلبنا من خبراء الأمم المتحدة، الذين يحضرون في اجتماعات مجلس المفوضين بأن يقدموا للمفوضية مقترحا لإعلان النتائج خلال يوم أو يومين كما نراه في كل الدول الديمقراطية، ولم نجد استجابة ولم يبادروا هم بذلك. وهذه نقطة جوهرية المفروض هم من يبادروا فيها وفي غيرها الكثير، لأنهم خبراء ونحن مستجدون وحديثو عهد بالانتخابات وآلياتها وإجراءاتها.
5 -الكثير إن لم نقل جميع المنظمات الدولية تركز على موضوع حقوق المرأة وتعزيز دورها السياسي والقيادي، ولكنها عجزت عن إحقاق كوتا المرأة وفق القانون، فقد خسرن النساء أكثر من 10 مقاعد بسبب عدم تطبيق كوتا المرأة وفق القانون والجداول المرفقة له، فأين دورها وكأنه فقط اعلامي وهامشي. ويعدُّ هذا الموضوع أول اهتمامات المنظمات الدولية بلا استثناء.
6 - فَصل الدعاية الانتخابية والأحكام الجزائية في قانون الانتخابات لم نجد لهم اعتراضا على مجمل فقراتها، لأن المشرع وضع عبارات أفلت فاعليها من 
العقاب.
7 - فقرات ترسيم الدوائر خارج المعايير الدولية، ولم نجد لهم أي رأي واضح، حيث لا يوجد أعداد السكان أي دائرة ولا حدود إدارية ولا طريقة واضحة للتقاضي والبت في الطعون.. الخ.
8 -  أكبر إشكال حدث في انتخابات تشرين 2021م هو استخدام أجهزة ومعدات الكترونية، سواءً في العد والفرز أو نقل النتائج الكترونيا أو تسجيل الناخبين بايومترياً في العراق وارسال بيانات الناخبين خارج العراق لشركة في إحدى الدول الأوروبية، وتبقى عدة أشهر لإنجاز بطاقة الناخب البايومترية واعادتها للعراق وتوزيعها من جديد، وهذا ما منع أكثر من مليوني ناخب استلام بطاقاتهم البايومترية ومضى على التسجيل البايومتري أكثر من 8 سنوات منذ 2014م وإلى اليوم، دون أن يكتمل سجل الناخبين، حيث إن هناك إشكالات الكترونية جمّة لم نجد لهم دور الخبير والناصح الأمين، فقد كادت هذه الإشكالات في استخدام الأجهزة الالكترونية أن تؤدي بالبلاد إلى ما لا يحمد عقباه.
9 - لا استطيع أن أحوي في هذا المقال القصير كل ما يجب على هذه المنظمات القيام به، سواءً في تشريع القوانين أو في أداء المفوضية أو في المراقبة المستمرة قبل واثناء وبعد الانتخابات وإعداد تقارير مفصلة مع توصيات لقضايا مهمة، يجب معالجتها والتأكيد في كل لقاء مع أي مسؤول رسمي عراقي أو جهة وسلطة ذات علاقة مباشرة بالانتخابات لمعالجة هذه العقبات.
الخلاصة:  
 كل ما دونته أعلاه هو غيض من فيض مهام ودور بعثة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختصة بالشأن الانتخابي، التي لا ننكر دورها في تأسيس المفوضية وتطوير قدراتها ولا بد أن نقول تخرّج العديد ممن عمل كخبراء انتخابيين داخل وخارج العراق في دول عربية وغير عربية. واستطيع أن أقول أمسوا أفضل ممن بدأ بتدريبهم وتعليمهم ولكن دورهم يختلف عن دور بعثة الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى، فهي مدعومة من قبل الأمم المتحدة وتخصص لها أموالا طائلة ولها دعم رسمي كبير، فالمفروض في كل دورة انتخابية نجد الأداء أفضل والتشريع أشمل والمراقبة أدق، والتوصيات لا تغفل شيئا ولا تنتهي بانتهاء الانتخابات، بل تصل إلى الجهات المعنية والمسؤولة في العراق والضغط باتجاه الأخذ بها وتبقى لها دور فاعل في الحلول وتجاوز كل إشكالات الديمقراطية التي أوصلتنا اليوم إلى طريق شبه مسدود، فأننا نأمل أن تكون جزءا من الحل وإن تخلت عن ذلك كما نرى وصمتت، فقد تصبح جزءاً من المشكلة، وهذا ما دعا إلى أخذ نظرة جماهيرية غاضبة، وحتى كثير من السياسيين بدؤوا يرونها أمست جزءا من المشكلة ولم تعد جزءاً من
 الحل. نأمل أن تصل هذه الرسالة للجهات المختصة صاحبة القرار في المنظمات الدولية العاملة في العراق باسم الديمقراطية والمؤسسات الرسمية العراقية، التي لها دور في تعديل هذا المسار وتصويبه، لنصل إلى مصاف الدول الديمقراطية بكل مفاصلها، بحيث تكون جزءا من الحل لأي إشكال او عثرات في طريق الديمقراطية، ولا نتمنى يؤخذ عليها بأن تواجدها وحضورها كما يدعي الكثير من الجمهور والأحزاب لتأخذ مكانها الذي جاءت من أجل تحقيقه.
 
•  نائب رئيس مجلس مفوضية الانتخابات في العراق/ الأسبق