«علي التاجر» حين يلجأ الفن إلى التراث الحيّ

ثقافة 2022/03/28
...

 خضير الزيدي 
 
تمنحنا الأعمال الفنية الأخيرة لعلي التاجر تمثيلا حيا لإحياء التراث العراقي بكل أغراضه، ونستدل على ذلك التقييم من خلال ما نلمسه ونراه من إنجاز لوحات تشعرنا بالاهتمام بالعودة الى مورثنا الشعبي وتراثنا الإنساني البغدادي الصرف او الجامع لحياتنا العامة، سمة تلك اللوحات أنها توفر طاقة إيجابية لمن يقف قربها إذ تظهر لنا عواملها الداخلية بصياغة فنان يعي حرفته ويغويها بحركة متفرّدة، فهي أعمال مجرّدة من التبعية للآخر أولا، وذات أسلوب متقد لا يخفي حنينا الى (مدلول) العمل، ثم أنها لا تضمر لذة معقدة جراء ذوبان العاطفة في غايتها التعبيرية، أعمال واضحة وبسيطة يتعاظم فيها الخيال مع التعبير لو قورنت بواقعيات ثانية لفنانين آخرين، أعماله ليست واقعية مع أنها تتسع لمساحة من تأمّل الحياة الواقعية وهي مادة تضج بالشعور الحي لأنها تحمل مرجعيات قدمت الينا من واقع تراثي قابل لأن تستوعبه الذاكرة مع مرور كل تلك السنوات، تجربة علي التاجر تعطي ميراثا من الجمال لم يكن مشوشا او غامضا لدى المتلقي، ميراث يلجأ لبث نماذج من بيئة محلية غارقة في اجتماعياتنا وإعطائه شرعية تواجد وحاجة ملحة لتوثيقه فنيا، وهو أمر يمثل جانبا مهما من الإصرار على التمسّك بخيار الأرض والوطن والانتماء للمحيط والهوية. في الحقيقة لا تتعذر رؤية فهم أشكاله التعبيرية فهو لم يكن فنانا تزويقيا تبدي التشخصية في منجزه، وكأنها سلسلة تشرع بإضافة فهم خاص لمرحلة معينة لا يمارس فنا يوهمنا بنطاق المحلية الساذجة ولا يزج شخوصه وحركاتهم وتعبيرية وجوههم وملامحهم بنمط شكلي غرائبي هو يجلب النضارة، ويهدف لأمر سامٍ لهذا تجد في أغلب أعماله مركزية ممتلئة بالجاذبية متساوية في ألفتها ومواضيعها، فهي لا تأتي برفض واقع ولا تصد ما لا يليق به إنما تعيد لأذهاننا رموزا بيئية، له قناعته حتى في فرض (التناقض) مع المتخيل من الشخوص  إذن هي لعبة فنية تدل على اهتمامه بالمكان العراقي مثلا بالحياة العراقية القديمة وتصالح المحيط الاجتماعي ليضع خصوصية مخزون ذاكرته في أعمال ترسّخ الثبات بالهوية والذاكرة الشعبية، كل ذلك يحتاج لتعاضد بين المتخيل والذاكرة في حدود الفن التعبيري الذي يبديه لنا هذا الفنان، شخصيا لا أجد أنه يشير الى العاطفة إنما مرد اشتغاله الجمالي مبني على بث معرفة يحسب لحراكه ومعياريته الدالة فهو يريد إدامة فن تتداخل فيه عقيدة الجمال مع مظاهر التراث والعقيدة هنا تلزمه قدرا من احترام وانتماء حر غير مقيد.. في الواقع غمرتنا أعماله بحفريات من التراث وعدت لوحاته هياما تعبيريا يميل لإبراز غريزة الموروث في ضوء ذلك لا يمكننا أن نتصور أن دهشة المتلقي ستتوقف عن ما يسميه الناقد الجمالي (كلايف بل) بالشكل الدال وهي الصفة التي تثير الانفعال الجمالي. ما من أحد يتوقف عند لوحات علي التاجر إلا ويحاول أن يمسك حنينه وانفعاله معا، فموضوعات العمل الفني تقوّض وجدان المتلقي وتقصي لحظة التأمل بالعودة الى توجيه الانفعال الذاتي وببساطة ينجح هذا الفنان في استمالتنا وإثارة الشجون فينا، هذا الشعور يتلاءم مع فن يوثّق الحياة القديمة ويكرّس لها جانبا من الحساسية المرهفة، وهو توجه مدروس له من يتابعه وينظّر له ويجد له نشاطا بين فترة وأخرى.