عبدالزهرة محمد الهنداوي
تابعتُ حوارا تلفزيونيا، شارك فيه ثلاثة من الشباب الخريجين، اثنان منهم تخرّجا عام 2017، والثالث، تخرّج من الجامعة، عام 2019، الاثنان الأوليان، وهما من محافظتين مختلفتين، لم يسعيا أو يحاولا البحث عن عمل، إنما انشغلا بالتظاهر أمام مبنى المحافظة ومديرية التربية في محافظتيهما، مع شباب آخرين، مطالبين بالتعيين، ومضت السنون، من دون أن يحققا هدفيهما، في الحصول على الوظيفة الحلم.
وفي ذات الوقت، خسرا نحو ست سنوات من عمريهما، وخلال هذه السنوات، فاتتهما الكثير من الفرص للعمل في القطاع الخاص، وقد قرأتُ في عيونهما الكثير من الحزن والألم، واليأس والإحباط والقنوط، ولعلهما فقدا الأمل تماما، وباتا يشعران بأنهما لا شأن لهما!!، وعلى عكس هذين الاثنين، بدا الشاب الثالث، الذي تخرّج عام 2019، الذي كان يحمل طاقة ايجابية هائلة، فقد تمكن هذا الشاب وخلال أقل من عام، من رسم طريق نحو المستقبل، بعيدا عن البحث عن وظيفة حكومية، فهو يرى، أن الشاب بما يحمله من إمكانات وطاقات، قادر على تحقيق هدفه بالحياة، وبإمكانه أن يُغيّر الواقع، بما يريد.
هذا الشاب اشترك مع شباب آخرين، وبمبالغ لاتتجاوز نصف قيمة المصروف اليومي لكل واحد منهم، وبهذه المبالغ الزهيدة، أنشؤوا مشروعا بدأ بسيطا، ولكن سرعان ما توسّع، بعد أن انضم إليهم شباب آخرون، يحدوهم أمل كبير، بأنهم سيصبحون ذات يوم من أصحاب الشركات، ويُشار لهم بالبنان، وأنهم من كبار رجال الأعمال، يفطرون في بغداد، ويتناولون الغداء في دبي ويتعشون في لندن، ويصبحون في نيويورك!.
وقطعا أن ثمة الكثير من الشباب مثل هذا الشاب، شقوا طريقهم في الحياة، ورسموا لأنفسهم مستقبلا واضحا، وليكونوا بذلك قدوة للشباب الآخرين، من دون أن يبقوا جالسين في بيوتهم، بانتظار من يطرق الباب عليهم، ليقول لهم، مبارك تعيينكم!..
ومن هنا أقول، إنّ على الدولة أن تتبنى مشاريع الشباب بالدعم والتمكين، وتوفير الظروف والبيئة المناسبة، التي تحتضن مثل هذه المشاريع، ومن جانب آخر، فإن تشجيع الشباب على العمل في القطاع الخاص يستدعي، وجود قطاع خاص ضامن ومضمون، لأن السبب الرئيس وراء عزوف الشباب عن العمل في القطاع الخاص، وسعيهم للحصول على وظيفة حكومية، على الرغم من قلة موردها المالي، إنما يعود الى، غياب الضمانات في الأول، ومن ثم فإن العامل في القطاع الخاص، يبقى دائما عرضة للاستغناء عن خدماته، وهناك أعداد غير قليلة من العاملين في هذا القطاع، غير مسجلين، وعليه، ليس لديهم أي ضمانات، لحمايتهم، لا من حيث الحدود الدنيا للأجر الشهري، ولا من حيث ضمان البقاء في الوظيفة، فهم لا يتمتعون بالامتيازات التي يوفرها قانون الضمان الاجتماعي، لأنهم غير ظاهرين أصلا، وهنا، فكما أن القطاع الخاص، يطالب بضمانات من الحكومة، عليه هو أيضا أن يوفر مثل هذا الضمانات لموظفيه، وأعتقد أن مجلس تطوير القطاع الخاص الذي أُعلن عن تأسيسه مؤخرا، سيضطلع بدور مهم واساسي، في عملية تطوير وتمكين القطاع الخاص، عبر إشراكه في رسم السياسة الاقتصادية للبلد، ووضع الآليات المناسبة، لتنظيم سوق العمل، وامتصاص معدلات البطالة المتزايدة في البلاد، وتبقى مشاريع تمكين الشباب، ذات شأن مهم في استيعاب القوى العاملة، بفرص عمل محترمة ومستدامة.