دموع في وجه الذكريات

ثقافة 2022/03/29
...

  هشام أزكيض* 
 
(هو)
   حين كنا نلتقي كنا نتابع عقارب الساعة كثيراً. كان المقهى حينها يغلق أبوابه عند الساعة العاشرة بالضبط. اليوم المقهى لا يغلق أبوابه أبداً، ولكن طاولتنا فارغة هناك. هنا وحدي، أتابع سقوط المطر بصمت.
   أتعلمين، الشتاء يذكرني بتلك الليالي التي قضيناها معاً في الغربة. حين كنا نلتقي كنا نشعر بأننا رجعنا إلى أوطاننا نتحدث لغتنا ونضحك طويلاً من دون أن يفهم أحد من الجالسين حولنا كل تلك الشتائم على الغربة وعلى كل تلك الأشياء الباردة هناك.
  ألا تذكرين، حين طلب أحدهم أن يشاركك الرقص؛ فنهضت أنا ورقصت معه، والكل من حولنا أصابه الذهول من ذلك؟!
   ذلك الأحمق كان يعتقد بأنني سأسمح له بالرقص معكِ. كيف لم يفهم بأن في الشرايين القابعة في صدري ثمّة وطن كبير اسمه أنتِ، وكيف لم يفهم بأنني كنت على استعداد تام لقتله إن كرر طلبه مرة أخرى؟!
   اليوم سأموت أنا إن طلبت الرقص معكِ؛ فبعد ارتدائك ذلك الفستان الأبيض الكبير لغيري، أصبح الرقص معكِ كأنه جريمة حرب، يعاقب عليها مجتمعنا الشرقي بالموت.
   مَن منّا الذي مزّق النهاية من قصتنا؟ كانت مكتملة حين كتبناها معا، ولكن يبدو أن شيئاً ما في صدورنا تغيّر. يبدو أن مقاهي فرنسا لم تكن صادقة في لهفتها، وتلك الطاولة الفارغة الآن لم تحترم لهفة الحب بيننا.
يبدو أن الأوطان حين تلتقي في الغربة تصبح غربة أكبر، وكذبة لا تُغفر!
 
(هي)
   أتذكر يوماً حين قلت: الابتسامة هي بداية البكاء!!
 حينها ما فهمتك، كنت أعتقد أنك تتحدث عن ابتسامة حزينة لك، عن جرح ما مررت به قديماً.
   اليوم فهمتك جيداً.. فبعد أن أمضيت عاماً كاملاً في انتظارك، وحين أخبرتني بأنك ستأتي، وحين جاء موعد قدومك ارتديت ثياباً أنيقة ونثرت الكثير من العطر ووقفت لساعات أمام مرآتي لكي أكون في كامل أناقتي الليلة.
   وصلت المطار قبل طائرتك بساعة ونصف الساعة. كنت أريد لتلك اللهفة القابعة في صدري أن تزهر وتزهر لتليق بقداسة حضورك. وحين أعلن عن وصول طائرتك، نهضت كالطفلة أبحث عنك بين القادمين. الكل أمسك بيد من انتظر، إلّا أنا بقيت يدي خاوية وحيدة ترتعش. لم تأتِ، ولكنك في قلبي كنت قد وصلت. فكيف أقنع ذلك النبض بأنك لربما ستتأخر قليلاً؟ عمر آخر لربما وستأتي.
   أعلن عن وصول طائرة أخرى، نهض الجميع وبقيت جالسة، وكأنه قدري بأن تنهض كل الأحلام، ويبقى حلمي مثلي في سبات عميق من الخذلان!!
   اليوم فهمت، بعد أن أفسدت الدموع الكُحلَ في عيوني، وتأملني الجميع هناك وأنا أبكي، بأن الابتسامة هي بداية البكاء.
   وفهمت أيضاً، أنه من الحماقة أن تنتظر امرأة مثلي، رجلاً مثلك لم يكن يوماً صادقاً في شيء معها إلا في الفراق!
*(قاص من المغرب)