ادانات واسعة لطلب النجدة

آراء 2022/03/29
...

  محمد شريف أبو ميسم  
 
من طرائف اللغة العربية، أنك حين تقول (أَدَانَ الرَّجُلُ) فأنك تعني "أَقْرَضَ فَصَارَ دَائِناً"، وفي ذات القول (أَدَانَ الرَّجُلُ) معنى مغاير مفاده "اِقْتَرَضَ فَصَارَ مَدِيناً"، ما يعني أن الدائن والمدين في توصيف واحد وموضع واحد للإدانة، ومن المفيد التعلم من توظيفات اللغة، فلا تستخف بالمدين حين تكون دائنا، اذ إن كلاكما قد (أدان) وستتبادلان المواقع كما يتبادل الدائن والمدين في مواضع الحركات اليومية للمؤسسات 
المالية. 
وفي السياسة أدان بمعنى شجب، والفعل شجب يعنى في موضع ما "هلك" كما في (شَجَبَ فُلانٌ شُجُوبًا) ومعناه أيضا أهلكه (شَجَبَ فلانًا، شَجْبًا)، و (شَجَبَ الوَلَدَ: أحْزَنَهُ، غَمَّهُ أوْ أَهْلَكَهُ) في ما يأتي المعنى في موضع آخر ليشير إلى نعق الغراب بالبين (شَجَبَ الغُرَابُ شَجِيبٌ) فيتراوح المعنى كفاكم الله، بين الهلاك والحزن والغم ونعيق الغراب.
وبالتالي لا تبدو مفردات (الإدانة) ومثلها (الشجب) المستخدمة في المواقف السياسية، وهما مفردتا استنكار لفعل أو موقف ما ، ذوات صلة بالمعاني التي تشير لها مصادر اللغة، وان كانت ذات صلة فإن إلادانة كما أشرنا تعبر عن امكانية أن يدان أي مدين في موضع آخر، وان الدائن والمدين في موضع واحد، فإلادانة وإن كانت تشير إلى حكم ما كما هي التعريفات القضائية، الا انها لا تنسجم مع من يوظفها للتعبير عن تضامنه مع طرف يتصارع ضد آخر. 
اذ غالبا ما تستدعي إلى المخيلة تصورات مسح الأكتاف والمحابات والذيلية، وفي أحيان أخرى ولمجرد سماعك لإدانة ما فإنك تشعر بالتدليس ولي أعناق 
الحقائق. 
بينما تستحضر مفردة الشجب، كل معاني الاستخفاف، ومنها الاستخفاف بالضحايا في مواضع تزهق بها أرواح الناس فيأتي طرف ليشجب فلا يتبادر إلى الذهن، الا ما ورد في معاجم اللغة بشأن "نعق الغراب في البين، ومثلها حين تنتهك حريات الناس وحرماتهم ليأتي السؤال (وماذا بعد أن تشجب 
وتدين؟).
بيد أن الأكثر حيرة ومدعاة للسؤال بهذا الشأن حد البؤس والوجع، حين تلجم كل المفردات ازاء الجرائم والمجازر بحق المدنيين من أبناء جلدتك في هذا البلد العربي أو ذاك، اذ تلوذ الأفواه بالصمت حيال الموت اليومي وغير المبرر، وحيال تجويع الأطفال وتفشي الأوبئة وتكريس عذابات الشيوخ المحرومين من الدواء وفقدان هيبة الأيام الأخيرة من العمر، فيما تتحول النساء اللواتي كتب عليهن العيش في كنف الخوف على أطفالهن وأزواجهن وأخوتهن، إلى صانعات أمل وهن يصارعن الأخيلة لصنع طعام من الوهم لأطفال تتضور جوعا، في ما تقدم التهاني إلى المرأة في عيدها من عدم الحياة وشح زوادة ضلت الطريق على اثر قصف بالصواريخ البالستية، تحت مظلة القلق واليأس من رحمة الانسان لأخية الانسان. 
محاولة صد الموت عبر شحذ الهمم بالتساوق مع مفردات الادانة والشجب لها ولأبناءها مصحوبة بالبخر الفموي ونتن النفس، لمسح أكتاف المهووسين بالسادية والمسكونين برغبة تعذيب الأبرياء، لأن الضحايا استطاعوا طلب النجدة.