كآبة الديمقراطية

آراء 2022/03/29
...

  د.عبد الخالق حسن
يجاهد العراقيون منذ سنة  2003  في سبيل التحول الكامل نحو الاستقرار، وبناء الدولة بمنطق متحضر يغادر كل المفاهيم التي تسطو على عنوان الدولة. وخلال السنوات التسع عشرة، التي مرت على سقوط النظام الدكتاتوري، اختبر العراقيون الكثير من محطات الانغلاق والانسداد السياسي التي كان يرافقها وضع أمني يعصف بالناس والبلد. 
 
 
لكن ما كان يخفف وطأة الانغلاقات المتكررة في العملية السياسية، أن الميدان التنافسي، الذي كانت تتحرك فيه القوى السياسية، هو الميدان الديمقراطي الذي لا يمكن 
أن تثمر شجرته في وقت قصير بأرض بلد له تاريخ طويل من التفرد والتسلط. لأن الديمقراطية مثل شجرة جوز. 
يزرعها الزارع ولا ينتظر جني ثمارها، بل إنه يزرعها لغيره ممن سيأتي 
بعده. 
هنا تنطبق على من يقود ويؤسس للنظام الديمقراطي في العراق اليوم فكرة الآباء المؤسسين.
وهذه الفكرة طبعاً ترسخت في الفكر السياسي باستعارتها من الولايات المتحدة، التي كانت مهشمة ومقسمة 
وتعاني من حرب أهلية، حتى انبرى كبار القوم وعقلاؤهم لوضع حد إلى مشكلات أمتهم من خلال ميثاق تعاقدي رسم طريق أميركا وجعلها تسير نحو البناء والارتقاء.
في العراق، ومنذ المصادقة على نتائج الانتخابات، وصل الأمر بالانغلاق السياسي إلى أن تفقد الديمقراطية بهجتها، وتصيبها الكآبة بسبب الطريقة التي تدار بها الدولة باسمها.
ربما قد يقول قائل إن هذا أمر طبيعي في مسيرة التحول الديمقراطي، لكن هذا لايصح مع وصول التجربة الديمقراطية في العراق إلى عشرين عاماً.
ونحن ما زلنا غير متفقين على التعريفات الأساسية التي يستند إليها نظامنا السياسي. 
لهذا، لا بد من أن يلتفت المتخاصمون من الساسة إلى أن إهدار الوقت بهذه الطريقة ليس في صالحهم ولا صالح العراق. لأن فرص التنمية، في كل مناحيها، لا تنتظر حل النزاعات، بل تذهب إلى غير 
رجعة.
في ظل احتقان عالمي قد يتحول إلى ركود تظهر آثاره على البلدان الهشة غير المتماسكة، والتي يأتي العراق في 
مقدمتها.