متحفٌ في كلِّ مدينة

آراء 2022/03/29
...

  ابراهيم سبتي
 
المتحف هو المكان الذي تعرض فيه آثار الحضارات القديمة التي تركت أثرا في البشرية. والحضارة الرافدينية القديمة هي حضارة كان وقعها كبيرا وتاثيرها عميقا في التاريخ، بل علمت البشرية الحرف الأول في الكتابة. وتفخر كل دولة بما تعرضه في المتحف الوطني الخاص بها، من أثر وتراث وحضارة، وهو ما يكون متاحا للجمهور المحلي والسائح الاجنبي. هكذا الحال بالنسبة للمتحف الوطني العراقي الذي يعرض نفائس الآثار واللقى والمنحوتات، التي تعبّر عن الحضارات القديمة، التي حفرت في التاريخ العراقي وتركت أثرها في العقل البشري العالمي، وفي المدونات التي تفخر الانسانية بها حتى اليوم. هنا لا بدَّ من الإشارة الى إمكانية تأسيس متاحف محلية في كل مدينة عراقية تستحق عرض اثرها الخالد في الحضارة والتراث. 
اي أن المتاحف لا يعرض فيها التاريخ القديم الذي عمره آلاف السنين حسب، إنما يمكن لها أن تعرض موروثها وتراثها القريب أيضا . 
فكل أمة لديها الموروث الشعبي والفولكلوري والمدونات والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية وسياقات الحياة الخاصة 
بها. 
من الممكن أن تعرض في المتحف إسوة بالتاريخ القديم، لتعريف الأجيال بالحقب التي عاشها الأجداد قبل قرن او قرنين لا أكثر، لتكون كتابا مفتوحا أمام الرائي، ليكتشف أنها الحياة التي عاشتها الأجيال السابقة من الأجداد والذين تركوا أرثا وكنزا ثمينا من العادات والتقاليد. خاصة أن مدن العراق كانت ولا تزال مضرب الامثال في الخصال الكبيرة التي تميزت بها مثل الشجاعة والكرم وسواها. إنها تعريف بما جاد به عصر الأجداد على مر السنين وتلاقفته أقلام الباحثين وعشاق التراث، والذي لا يكفي بأن يبقى مدونا او شفاها. بل يحتاج الى عرض بصري ملموس، ليكون مجسدا اكثرا ومؤثرا بالعقل والذاكرة معا. إن كثيرا من مدننا تمتاز بكثير من التراث الذي لا بدَّ له ان يظهر للملأ، مع أن أكثره قد حفظ في المدونات والسلاسل البحثية والثقافية، ولكن عرضه في متحف افضل وأقوى تأثيرا. لقد تعددت اليوم أنواع المعروضات في متاحف الدول او المدن المهمة، فهي تعرض الى جانب تاريخها الحضاري القديم، بعض الجوانب المهمة من إرثها الحضاري القريب، ليكون ناطقا وكبير الاثر في النفوس 
والعقول. 
إن تجربة المتحف البغدادي والتي أثبتت نجاحها وفكرتها السياحية والمعرفية والثقافية، يجب أن تعمم على المدن العراقية، التي تحتاجها، لكي تعرض أحوال الحياة فيها قبل قرن او قرنين، لتكون شاهدة على نبض الحياة المستمرة ومراحل التغيير، التي مرت بالبلاد منذ الاحتلالات الاجنبية الى التطورات الثقافية والعفوية في حياة الناس الى التطور المعرفي والبيئي، الذي اثّر في المدرسة والأكل والأزياء وطرق المعيشة والمهن والحرف ووسائل النقل والبيوت. إنها بلا شك ستكون قفزة معرفية وسياحية كبيرة في نفوس المتلقين الذين يفخرون دوما بحياة الأجداد، الذين عاشوا في العصور والحقب القريبة، والتي ما زالت تحتفظ برونقها وعبيرها وشذاه، والأكثر أنها محط فخر للجميع إضافة الى التاريخ الحضاري القديم الناصع.