الزوائد في السرد الروائي

ثقافة 2022/03/30
...

 إبراهيم سبتي
     
يعتقد الكثير من كتّاب الرواية، بأن الإطناب والإسهاب قد يعطي الرواية أهمية ومكانة بين النقاد والقرّاء وتتبوّأ لها مكانة ما. وربما يكون هذا الفيض والمدّ مسيئا للفكرة والحدث ومخطط الكتابة أساسا. الكثير يعد أن مطَّ السرد، سيمنحه أهمية ومكانة بين كتاب الرواية باعتباره يمتلك نفسا طويلا وجملة روائية منتجة وغير مختزلة، وتكمن الغرابة وعلامة الاستفهام في التمسك بأن تكون الرواية طويلة، أي بمستوى روايات نجيب محفوظ أو دوستويفسكي او مارسيل بروست او عبد الرحمن منيف، حتى يُعترف به روائيا ناجحا. 
إنّ التاريخ السردي، وضع بين أيدينا عدة روايات قصيرة، ولكنها مهمة بل أهم ما أنتجه القرن العشرون من روايات مثل «المسخ» لفرانز كافكا، وأيضا روايته في مستوطنة العقاب، ورواية «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه» لغابريل غارسيا ماركيز، ورواية «قصة موت معلن» لماركيز أيضا، ورواية «رجال في الشمس» لغسان كنفاني ورواية «العسكري الأسود» ليوسف إدريس وعشرات غيرها. هي روايات قصيرة ولكنها مكتنزة المعنى واللغة والثيمة والمتعة وسجلت في لوحة الروايات المهمة، وقد قرأناها بشغف وحب ودهشة.. وأعني ليس شرطا أن يمدّ الروائي أحداثه ويمطها كي تسجل عدد صفحات أكثر، ولا يعلم أنه قد يوقعها في الرتابة والنحول والهزال وفقدان القيمة والجذوة الإبداعية. إن الرواية الجيدة، هي التي تمتلك القدرة على الوصول الى القارئ والناقد بفهم واضح وسلاسة ويسر. ولن يتحقق هذا الهدف إذا كان السرد قد خرج عن السيطرة وراح يتلوى مسرعا للوصول الى الخاتمة التي أجبر الكاتب نفسه عليها متبخترا. او يعمد البعض أحيانا الى استخدام صفة الحكي المطلق الذي لا تحده حدود الفكرة او الحدث فيسير متثاقلا وبملل، اعتقادا بأن التخمة في الكتابة هي التي توصل الى الفرادة والتميز. لا يصح أبدا أن يترك الكاتب خياله بأن يعبر مرحلة الحسم والانتهاء والامتلاء، إلى حيث السأم والضجر فيخلق الضجر والتبرّم، في الوقت الذي ينتظر القارئ دائما، رواية رصينة تضيف إليه معلومة او فائدة او مساحة للتأمل تخرجه من واقعه الرتيب والمخيّب أحيانا.. إن الزيادة والإطناب في السرد سيؤدي الى إيجاد حالة من العزوف عن القراءة لهذا الكاتب او ذاك من الذين يندفعون في الهرولة نحو تحقيق الكثرة في عدد الصفحات، التي للأسف يعتبرها أهم من فكرة الرواية التي تركها خلفه بين ثنايا السرد في صفحات سابقة. 
إنّ الرواية لا تحدد بِالْقَصْرِ أو بالطول، إنما تتحدد بقوة ثيمتها وبأسلوبها وهدوء كاتبها واعتبار كل ما يكتب هو ثمين للوصول إلى الخاتمة التي تنهي كل شيء. وإن خرج السرد قصيرا، فما الضير من ذلك إن كانت الرواية محبوكة جيدا ومتينة وفكرتها رصينة؟، ولا أعتقد أن كتابا مثل غابريل غارسيا ماركيز وفرانز كافكا وفرانسواز ساغان وشارلز ديكنز، كتبوا روايات قصيرة قرأناها وظلت خالدة في ذاكرة أغلبنا، بأنهم لا يجيدون الإطالة وإكثار عدد الصفحات، مع أنهم كتبوا روايات طويلة سجلها التاريخ وخلّدها.. إن الرواية القصيرة ليست إثما او مثلبة او خللا، بل هي رواية مكتملة أسوة بأية رواية أخرى. وأعتقد أن أغلب ما صدر من روايات قصيرة، كانت رصينة ورزينة ومتميزة بأسلوبها وحبكتها ووعيها، والأهم أنها خلت من الإطناب والمبالغة والتفصيل الملل.