استقرار الديمقراطية

آراء 2022/03/30
...

  ياسين العطواني 
من بين أبرز الشعارات والمفاهيم الديمقراطية، التي كانت تُرفع قبل وبعد سقوط الطاغية، من قبل الكثير من الجهات السياسية، هي نشر الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، وأقامة دولة المؤسسات، لكن ما يرفع من شعارات شيء، وما موجود على الأرض شيء أخر. 
 
ويبدو أن الشعوب والأمم التي تجذرت فيها عروق الديمقراطية بعد ان دفعت ضريبة هذه الديمقراطية تـُدرك ماذا يعني استقرار الديمقراطية من عدمها، فهذه البذرة الانشطارية عندما تـُزرع يجب أن تتوفر البيئة الملائمة لها حتى تنمو نمواً سليماً أولاً، وحتى تستقر في النفوس اخيراً. والمعروف أن الديمقراطية قبل أن تستقر لا بدَّ لها أن تمر بعدة مراحل اثناء عملية التحول الديمقراطي، والتي تبدأ مع ضعف النظام الاستبداي و تفككه، تليها المرحلة الانتقالية، والتي يفترض أن تكون اكثر أمناً عندما تتم بوسائل ديمقراطية، ثم المرحلة الأخيرة، وهي الاستقرار الديمقراطي، وتتم عندما تصبح البنى الديمقراطية مستقرة ومتماسكة، ومنسجمة مع الوعي الجمعي للمجتمع. إن مرحلة الانتقال الى نظام حكم ديمقراطي هي إنجاز تاريخي بالتأكيد، ولكن قد تصادفها في الغالب توترات وربما انتكاسات، وتواجهها تحديات الانتقال. وهذا المخاض تتطلب مواجهته باستقرار العمل بنظام الحكم الديمقراطي. وهذا الاستقرار يتطلب بدوره وجود قناعات لدى التيارات والقوى السياسية الفاعلة، إلى جانب المواطنين عامة، بإمكانية تطبيقه واستمرار مصلحتهم في ذلك. ولا بد لتلك القناعات وذلك الإيمان من النمو، والترسخ في النفوس على نحو تدريجي، حتى تتضح معالم الديمقراقية وتصبح واقعاً ملموساً. 
كما ان الديمقراطية بمفهومها العام تعبير عن وعي اجتماعي وقيمي فاعل، وهذا الأمر يساعد على الإرتقاء بالممارسة الديمقراطية تدريجيا عبر عملية التحول الديمقراطي الطويلة والشاقة، من الشكل إلى المضمون. ذلك التحول الذي يكرس أسلوب الشفافية والصدقية وقبول الآخر، ويعوّد جميع أطراف العملية الديمقراطية على تداول الرأي بتأنٍ وأخذ مصالح الآخرين بإنصاف. 
فالديمقراطية هي المدخل الرئيس للتنمية المستدامة التي تطمح أليها الشعوب، فمن الصعوبة بمكان أن نشهد تنمية حقيقية دون المرور بالتحولات الديمقراطية. 
وبالتالي فهي ضرورية من أجل الاستقرار، والاستقرار ضروري من أجل الديمقراطية، بل إنها تحقيقٌ عميق لمعنى الاستقرار وليس ذلك الاستقرار المصحوب بالخوف والقهر والاستبداد. 
ولعل الاستقرار السياسي من أهم محاسن الديمقراطية، ومن النقاط التي تــُحسب لها، وهو خلق نظام يستطيع فيه الشعب أن يستبدل الإدارة الحاكمة من دون تغيير الأسس القانونية للحكم، وهذا ما تهدف من خلاله الديمقراطية إلى تقليل الغموض، وطمأنة المواطنين بأنهم سيحصلون على فرص منتظمة لتغيير حكامهم أو تغيير السياسات التي لا تتفق وآراءهم. 
وهذا نظام أفضل بالتأكيد من الذي تحدث فيه التغييرات عبر اللجوء إلى العنف. ويبقى محك الديمقراطية، هو قدرتها على تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى للشعب الذي يمارسها. ومن تلك الأهداف الوطنية الكبرى اليوم، التنمية ذات الوجه الإنساني، والأمن المجتمعي، وكرامة الإنسان، وإطلاق طاقاته الخلاقة، في إطار الحفاظ على الهُويات الجامعة، والاستقلال، ووحدة التراب الوطني. وعلى هذا الافتراض فالديمقراطية، يجب أن ينظر إليها كما عبر أحدهم باعتبارها الناتج النهائي لعمليات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية مديدة، وليس كنتيجة لتحول فوري، إذ غن الديمقراطية ليست قهوة سريعة التحضير. إلا أن التوجه نحو التحول الديمقراطي يشكل بداية تأسيس الوعي الديمقراطي الذي هو الضامن الوحيد، لأن تسير العملية الديمقراطية وفق خطها السليم. عندها يصبح كل فرد بمقتضاها صاحب حق في الوطن، وصاحب رأي في التشريع، وصاحب صوت في الحكم. 
وعلى أيةِ حال، علينا ألا نيأس من تعثر مسار الديمقراطية في العراق، وأن لا نصدق قول الآخرين، من أن الديمقراطية مجرد مغامرة تاريخية، فنحن ما زلنا في بدية المشوار، والطريق شاق وطويل، ومليء بالحفر والعثرات والألغام التي يزرعها أكثر من طرف. 
ولكن علينا ايضاً بالمقابل أن نعي الحقيقة التي تقول، إن الديمقراطية إن لم تستقر تــُـدمـِر. 
لذلك على الجميع أن يدرك بأن الحل يكمن في الديمقراطية، بغض النظر عن الإخفاقات الحالية، فهي الطريق الذي يمهد لبناء الدولة الحديثة، وهذا ما يجب توضيحه للرأي العام، وهو أن البديل عن الديمقراطية هي الفوضى والعنف وغياب القانون، وهذا يتطلب من النُخب وصناع القرار بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية والثقافية والسياسية، توعية الناس، وإعدادهم وتأهيلهم للممارسة الديمقراطية الحقيقية، والتأسيس لثقافة جديدة تؤمن بالديمقراطية كسلوك وممارسة، ووسيلة للتطور والتقدم والاستقرار، وليست مجرد شعارات تُرفع في مواسم الانتخابات .