التمثل بالشخص الآخر.. قراءة تأويليَّة للهويَّة

ثقافة 2022/04/01
...

  فارس السامرائي
 
بداية الاستلاب بأبسط تعريفاته حسب ما يره جاك الوك هو أن تصبح شخصاً آخر، وبمعنى آخر فإن هذا يعني انسلاخ الشخص عن نفسه ليصبح خاضعاً وحتى متمثلاً بشخص آخر أي في حالة نفسية تجعل الفرد يبتعد وينبذ ثقافته لصالح ثقافة وافدة. 
تنتج عن الاستلاب عملية التغير الاجتماعي وعملية الغسيل الفكري المنظم «غسيل دماغ» في محاولة للسيطرة على العقل البشري وتوجيهه لغايات مرسومة بعد أن يجرد من ذخيرته ومعلوماته ومبادئه السابقة يصبح آلة قمع تمارس فكرا متطرفا يرفضه المستوى الإنساني محاولة منه النفوذ الى عملية التأمل والتقدير بقصد التأثر عليه وتوجيهها توجيهاً معيناً بقصد الاختراق الفكري والتحويل العقائدي، وعملية غسل الدماغ هذه تحدث بشكل جماعي على المستوى الجماعي «التسميم السياسي» تعتمد على عملية غرس مفاهيم معينة لا بد أن تقود الخصم او الصديق الى الاقتناع بها لتمارس دورها السلبي في المجتمع، ويأتي الاستلاب على أنواع، منها الاستلاب الثقافي والاستلاب الاقتصادي والاستلاب الاجتماعي وهذا محمور الحديث، وربما يكون الاستلاب الفكري هو القناة التي تمر من خلالها كل نوعيات الاستلاب الأخرى لأنه يرسخ فكرة مزمنة من الأزمة التي يسببها انتزاع وجودية الآخر، وثمة الاستلاب العقلي، الذي يقود بالضرورة إلى الاستلاب الفكري والثقافي، ومن ثم يفرض نهجه على تلك السلوكيات، والطبائع المرتبطة بتلك الذات المستلبة على كل المستويات، الاجتماعية، النفسية، الفكرية، الثقافية، والحياتية اليومية وبهذا يصبح الإنسان مفرَّغا من فكره ذي الخاصية الذاتية يصبح كآلة ممنهجة يقوم بالأفعال دون شعور، أو ما يُطلق عليه بعض المختصين بالهوية الفكرية. 
أما المعالجة التأويلية التي عنيت بمنظور سلب الغير كينونة وذاته من الحياة التي يمارسها في أي مجتمع ضمن حدود الإنسانية والتعايش الجيد مع الآخر، فقد تناول ليفيناس استلاب الهوية بفعل الصراع الذي ينتج عن الحروب ولعل أكبر الحروب وأعنفها تتمثل في تشيئة الآخر وتجاهله لغيريته بمعنى نفي وجوده وإسقاط آخريته، فالخطاب الحداثي حسب ليفيناس مجد الأنا وقدّس الوجود على أنه كلي ومطابق، واعتبر الذات تعيش في العالم متطابقة مع ذاتها ضد الآخر، بل عملت الأنا على افتراس واختزال ووأد الآخر بردها إلى سلطة الأنا، فقد عارض ليفيناس العبث الإيتيقي باعتباره تعاملاً لا إنسانيا مع الآخر مؤسس بذلك لفلسفة قائمة على العلاقة الأخلاقية مع الآخر وتشترط بإنسانية الإنسان الآخر ولا يمكن أن يتحقق هذا في نظر ليفيناس في موضع حداثي متأزم أخلاقياً واجتماعياً من خلال اضطهاد الآخر وسلب غيريته فقد ناقش بول ريكور آراء ليفيناس التأويلية حول الآخر المستلب الهوية ويرى أن ليفيناس تؤرقه الحرب وكذلك فكرة الشر ويرى أن الآخر الذي يسميه بول ريكور سيد العدالة أو الشخص المضطهد قد أخذ حيزاً كبيراً في كتاب «الوجود مختلفاً أو أبعد من الماهية» لليفيناس، ثم يرى بول ريكور حين تعترف الذات بتفوق السلطة التي تلزمها بأن تتصرف بحسب العدالة ويرى أن مثل هذه المساواة ليست مساواة الصداقة حين يكون من المفترض أن يسود التوازن بين العطاء والتلقي، ثم يسمي المستلب الكينونة أو مستلب الهوية بالآخر المتألم ويرى أن هذا الانسان المتألم لا يتحدد ألمه بالأوجاع الجسدية ولا الأوجاع الذهنية أو العقلية ولكنه بإنقاص بل بتحطيم المقدرة على التصرف والقدرة على العمل، ويرى بأن هذا الانتهاك أو الشعور بالألم يعود بدورها على الذات المستلبة والتي تعطي تعاطفا معها وهذا يعطي رغبة في تقاسم العطف وعذاب الآخر أي الشعور بما أصاب هذه الذات من ألم، وعلى هذا العطف وتقاسم الألم يقول بول ريكور (هي تأثيرات تصيبنا إن ما يطلقه ألم الآخر وكذلك الأمر الأخلاقي الآتي من الآخر داخل الذات هو مجموعة من المشاعر المتجهة عفوياً نحو الآخر إن هذه الوحدة الحميمية بين الهدف الأخلاقي والجسد العاطفي للمشاعر هي ما بدا لي أنه يبرر استعمال تعبير «الرعاية»).
 نلحظ أن ليفيناس وبول ريكور يتفقان على وجود طرف متضرر قد استلبت منه حياته الانسانية التي يمارسها بسبب كلاهما يقر بأن الحروب هي السبب الأكبر في نتيجة الاضرار الاجتماعية اللاحقة لها، لكن كل من ليفيناس وبول ريكور لديه طريقة في تصور الذات فقط ولكنهما يتفقان على وجود طرف متضرر من استلاب هوية وغيرية الآخر ، ولكن ما يهمنا هو وجود هوية مستلبة تضررت بشكل ما في حياتها الإنسانية، وهنا نركز على فلسفة بول ريكور في التعاطي مع هذا الاستلاب، إذ يرى بول ريكور أن الإنسانية التي يجب أن نتعايش عليها ضمن مؤسسات عادلة تضمن أن الجميع في المعمورة له حق العيش على أي رقعة أرض من دون فرض فلسفة البيشخصية ويرى أن الحياة الأخلاقية هي أمنية تحقق ذاتي مع ومن أجل الآخرين من وجهة نظر فضيلة الصداقة وفي علاقة مع طرف ثالث من وجهة نظر العدالة، وهو ما يجعله يؤمن ويقول (بأن العدالة هي مكون مبني ابتداء من المستوى الأشد دونية، يبدو لي من المهم التأكيد على هذه الخاصية الأولى للعادل كوجه للصالح، الصالح مع ومن أجل الآخر، من أجل الآخر الذي لا يحمل وجها ولكنه الأنا الاجتماعي الذي أجده في المؤسسات، فهو آخر المؤسسات وليس آخر العلاقات البيشخصية)، وهذا هو الفارق الذي يرى تحقيقه بول ريكور هو أن تكون هناك مؤسسات عادلة تتعامل مع الجميع على وفق مفهوم 
المواطنة لا التمييز العرقي والمذهبي الذي يؤسس إلى حالة من التفكك والتشتت المجتمعي الذي يؤثر بشكل كبير في عملية التعايش والسلم 
الأهلي.