في الثناء على عين البصرة الباصرة ثمانينيّة محمد خضير

ثقافة 2022/04/03
...

مسكون بهموم الفن
 د. ثائر العذاري
منذ ظهوره اللافت والطاغي في مجموعته (في درجة 45 مئوي) أعلنت قصصه عن هوسه بالفن والشكل والتقنيات بوصفها الأدوات الأنجع التي تجعل رسائل السرد الخفية قادرة على التسلل إلى وعي القارئ، فقد كانت تلك المجموعة مدهشة في كشفها عن قاص عنده القدرة على كتابة قصص تكاد تكون خالية من الشخصيات البشرية بينما تأخذ الجمادات أدوار الشخصيات الرئيسة، ففي قصة الصرخة مثلا، ثلاثة أحداث ليست سوى ثلاث لوحات مرسومة على جوانب سيارة السيرك، بينما يصبح الشارع الشخصية الرئيسة التي تتحرك وتتلوى وتتحكم بتلك السيارة:
شارع مستقيم فائض، خال، آخر. رذاذ منحرف متواصل، لا يسمع، لكنه يلتمع مثل الإبر الدقيقة الطويلة خلال زجاج غرفة قيادة السيارة ويرتطم بالزجاج ويسقط على برك المياه المتجمعة أسفل حافة الرصيف، على  جانبي الشارع. أأنت مياه الشارع العكرة لا تترك إلّا خطًا ضيقًا إذ يرتفع الشارع في الوسط، وهي تجري منحدرة على جانبي السيارة، باتجاه الشارع المتراجع المترنّح بين ذراعي اللوحة الزجاجية الأمامية لغرفة قيادة السيارة المتحركين.
لعلّي لا أبالغ إذا قلت إن تلك المجموعة القصصية ليست رأس مرحلة في تطور محمد خضير الأدبي حسب، بل هي كذلك بداية مرحلة في تاريخ القصة العراقية، لكن ما أريد التركيز عليه هنا هو أن محمد خضير ليس محض قاص يمتلك الحساسية المفرطة بجمال هذا الفن، بل هو قاص مثقف ومحترف، من الواضح في عمله أنه يعكف على دراسة كل ما يتعلق بتقنيات القصة ومصطلحاتها، ولا أدري إذا كان يقرأ بالانگليزية، فثمة تقنيات متقدمة في قصصه لم تنل نصيبها من الشرح والترجمة، لكننا نجد دراسات نظرية مستفيضة لها في أعمل واين بوث وسوزان لوهافر.
ولم يتوقف محمد خضير عند (القصة الشيئية)، بل ظل مسكونا بالبحث عن الشكل، وتبدأ المرحلة المهمة في (بصرياثا) التي قدمت نصوصا تمازج بين القصة والتحقيق الصحفي والسكيتش السردي، وفيها يصبح المكان هو الشخصية الرئيسة، ففي (أم البروم) مثلا يقدم القاص تاريخ الساحة بينما يزرع حكاية عند كل مفصل في تاريخها.
ومنذ أشهر يكتب محمد خضير نوعا من النصوص السردية يسميها (سكيتشات) ينشرها على صفحته في فيسبوك وينشر بين مدة وأخرى مقالات نظرية توضح مفهوم هذا الفن كما يراه، هكذا يكون محمد خضير أنموذجا نادرا من كتاب القصة، لم يوقفه النجاح الكبير عند حد، بل ظل باحثا دؤوبا عن الشكل كما لو كان يشعر أنه لم يصل إلى شكله المنشود بعد.