انثروبولوجيا المدن الآفاق والتطلعات

آراء 2022/04/04
...

 د. عبد الواحد مشعل
 
 انثروبولوجيا المدن، علم حديث تبلور مع توسع المدينة في عالمنا المعاصر، وظهور البعد الثقافي بصفته عاملاً فاعلاً في تشكلها والذي يفهم تفصيلاً في سياق كلي مقارنة بالثقافات الأخرى، كبنية القرية ذات البعد الثقافي الأحادي مقابل بنية المدينة بتشكلها التعددي الثقافي والطبقي، ولعل هذا هو الذي قاد إلى الاهتمام بعملية تصنيف الثقافات فيها، وقاد إلى الاعتماد على معايير التصنيف وفقا لتكوينها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، الذي ميزها بنسيج ثقافي له ألوانه وخصوصياته القيمية، وهو ما يمكن تسميته بالثقافات الفرعية أو التنوع الثقافي الذي يؤشر علية بعوامل التحفيز على التطور والتقدم، يعقبه تعقيد في مؤسساتها المختلفة، فالمدينة كيان صنعه الانسان يتميز بالتنظيم البيروقراطي المعقد أو البسيط تبعا، لتباين مستوياته الحضارية من مجتمع إلى آخر، ففي المجتمعات المتقدمة حضاريا تظهر مؤسساته بصيغ أكثر تنظيما وتعقيدا في بنائها وظائفها، المتسمة بدقة تنظيم، وبحلقات متصلة أو مترابطة مع بعضها البعض، بينما تكون عليه المؤسسات في المدن النامية ذات طبيعة مشابهة في شكلها المورفولوجي لمثيلاتها في العالم المتقدم، إلا أنها جاءت كحالة مقلدة لشكل نظيراتها في العالم المتقدم، ولاسيما في مظاهره الحديثة، لكن تحكمها الو لاءات أو المعايير المجلية في أكثر الأحيان، ما جعلها تعاني من مشكلات كثيرة، لا سيما في بعدها الثقافي والتنظيمي، وهو في الأصل مرتبط بشخصية الإنسان وتكوينه الاجتماعي، فكلما تمكن الإنسان من الوصول إلى مستوى عقلاني في التفكير والتدبير، كلما ضعف العامل ألولائي أو الفئوي، والعكس صحيح،لذا فان الإنسان هو بانيها ومعمرها، علية تتوقف عملية الإعمار والبناء وتطبيق القانون والنظام، وبخلافه يكون الإنسان محكوم بقيم وتقاليد قولبت شخصيته،وهذا ما يجعلها أيضا تعاني من مشكلات المدينة الحديثة وتحديات حدثاوية مع وصول تقنيات وفنون الحداثة إليها، إلى جانب تحدياتها التقليدية المؤثرة في بنيتها الثقافية والاقتصادية والسياسية، ولعل أبرزها انتشار المظاهر العشائرية والعصبيات المحلية والمصالحية التي تحكم أروقتها الرسمية وغير الرسمية، ما يجعل عملية التطور الحضري وتخطيط المدن يرتبط ببنية العقلية السائدة فيها، كما أن المدينة الحديث هي أرض خصبة لظهور التيارات السياسية ومنشأ للأيديولوجيات المختلفة المتوافقة أو المتضادة، ما يجعل القدرة على استيعابها جميعا تحدٍ آخر يضاف إلى تحديات المدينة النامية، على الرغم من انتشار مظاهر التحضر فيها، وهنا يمكن القول إن السياق الثقافي هو الذي يعطي للمدينة طابعها الحضاري أو الثقافي المميز، فالمدينة الحديثة ومؤسساتها المختلفة هي التي ترسم ملامح التوافق أو التنافر بين سكانها، لذا فإن انثروبولوجيا المدن جاءت نتيجة ملحة لتطور المدن وتعقدها إلى جانب مظاهرها الفولكلورية، وتنوع نشاطات سكانها.