عمر سعد سلمان
تتواصل معاناة القطاع الزراعي منذ ثمانينيات القرن الماضي تمثلت في زيادة ظاهرة التصحر وانحسار المياه وتراجع أعداد القوى العاملة نتيجة الهجرة من الريف إلى المدينة، وأصبحت الزراعة من المهن الدنيا في الثقافة الاجتماعية، ما جعل مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي تنخفض من 36 % في فترة الخمسينيات إلى 13.8 % في نهاية الثمانينيات.
وبعد العام 2003 تراجع الدعم الحكومي لمستلزمات الإنتاج والانفتاح الكامل للسوق العراقية امام منافسة السلع الزراعية المستوردة، والذي أدى إلى إبعاد الإنتاج المحلي من المساحة التي كان يحتلها في السوق العراقية.
وتظهر المؤشرات أن 72% من الأراضي الصالحة للزراعة غير مستغلة تحتاج إلى استثمارات واسعة لتحويلها إلى أراض مزروعة، كما أن القطاع الزراعي مصدر الأغذية مباشرة او بعد تصنيعها، والتي تستحوذ على 47% من متوسط إنفاق الفرد الشهري في العراق، وهذا يدل على تدني متوسط دخل الفرد، الذي يذهب معظمه لأسباب البقاء (الغذاء)، بالقدر نفسه الذي يعكس أهمية الطلب على منتجات القطاع الخاص وإمكانية الاستثمار لإشباع هذا الطلب، فأن هناك حتمية لإعطاء الأولوية للقطاع الزراعي من أجل تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
الموازنة العامة في العراق 75% منها هي تشغيلية، وهذا الامر لا يعطي مرونة لواضع الخطة الاستثمارية لدعم القطاع الزراعي، وكما أن ترهل الجهاز الإداري وعدم كفاءته في تنفيذ الموازنات الاستثمارية، واستفحال حالات الفساد المالي انعكس في تأخر وتدني معدلات التنفيذ، وهذا يستوجب اتخاذ إجراءات مشددة لمتابعة وتقييم الأداء للوزارات في مراحل إعداد الخطط السنوية ووضع الأولويات للمشاريع ومراحل ابرام العقود وتنفيذها بحيث نصل إلى معدلات تنفيذ عالية تكون قادرة على إنفاق التخصيصات، وتكون متراكمة لرأس المال وموسعة للطاقة الإنتاجية، وفي الوقت نفسه تسمح بأن تكون سياسة التوسع المالي حقيقية والعجز المقدر في الموازنة يصبح حقيقياً، وهنا يكون لسياسة نقدية تمارس اليسر المالي دور فعال في تغطية العجز بأقل أعباء اجتماعية ناجمة عن ضغوط تضخمية محتملة.
وينبغي إصلاح الاختلال عبر تشجيع البرجوازية المحلية للتوجه نحو الإنتاج الواسع والمزارع الكبيرة لتحقيق الأمن الغذائي، وتعديل قانون تملك واستئجار الأراضي الزراعية بما يضمن حماية مستأجر الأرض من تحكم ملاك الأرض، كما يجب ألا يكون التوجه نحو الحرية الاقتصادية سبباً عودة الاقطاعيات الزراعية، وإيجاد شراكة حقيقية بين القطاع الخاص ودائرة التجهيزات الزراعية لضمان ادخال التغيير التكنولوجي المطلوب لزيادة إنتاجية الدونم وانتاجية الدينار المستثمر في الزراعة.
ويحتاج العراق إلى إبرام اتفاقيات تتضمن ثوابت قانونية لقضية تقاسم المياه مع تركيا وسورية، وجعل مسألة مياه الري من المهام الحصرية للحكومة المركزية، على أن تراعي العدالة في التوزيع بين المحافظات. ومنح قروض ميسرة للزراعيين وفق خارطة اصلاح لأداء الإنتاج والتسويق والمنافسة.