العراق صينياً

آراء 2022/04/05
...

  د . صادق كاظم
أكثر من 300 مليار دولار أنفقت وهمياً على مشاريع خيالية لم تلامس أرض الواقع من شوارع وناطحات سحاب وقطارات يابانية سريعة ومدن أحلام مزدهرة وعامرة، اضافة الى فرص عمل لا تكفي شعب العراق بأكمله، بل تستورد عمالاً من دول مجاورة. تباهى ذات يوم حاكم الامارات الراحل الشيخ زايد بأنه قد زار العاصمة بغداد وتمنى من أولاده الحاكمين من بعده بأن يجعلوا من مدن الامارات صروحا معمارية شبيهة بما راه في العاصمة بغداد .
لكن بغداد التي تمناها زايد ذات يوم توارت خلف سحب الحروب والطغيان في الماضي ومافيات فساد في الحاضر استحوذت على عوائد نفطية ضخمة لحسابها، من دون أن تنفذ مشروعا ستراتيجيا واحدا أو تبني جسرا أو طريقا يحسب كإنجاز للحكومات التي تعاقبت على إدارة الحكم.
الصين التي تخطط لإقامة مشروع تجاري يعد الاضخم في القرن، يعتبر العراق واحداً من حلقاته، فالعراق المتحكم بمسار التجارة قديما بين أوروبا وآسيا يظل حلما صينيا في أن تؤسس حزاما تجاريا يمتد من بكين ويصل الى أوروبا مرورا ببغداد. العراقيون كالعادة يقفون حائرين أمام مبادرة إعمارية ضخمة تنتشل الاقتصاد العراقي من جموده واعتماده على البترول وحده، فالوقت حان لأن تتم مراجعة الاقتصاد وأوضاع العراق المالية التي ترتهن بعوائد النفط وحدها، رغم أن البلاد تمتلك من الموارد الضخمة مما يجعلها تحصل على عائدات مالية ضخمة تؤازر بها عوائد البترول وتنعكس ايجابا على وضع الشعب العراقي. الأخذ بايدي الصينيين ودراسة ما تقدمه المبادرة من فوائد، تضم تحديث طرق المواصلات وشبكات الكهرباء وبناء المستشفيات والمدارس والمطارات ومحطات القطارات الحديثة والسريعة، مقابل أن يمنح العراق بكين بترولا بأسعار يتم الاتفاق عليها يمثل مخرجا وحيدا وضامنا لإعمار حقيقي للبلاد، بعد أن أثبتت التجارب أن حملات الإعمار الفاشلة السابقة، ليست الا مجرد وسائل لنهب تلك الأموال لصالح الأحزاب والكتل.
من المؤكد أن المعارضين لهذا الاتفاق لا يسعدهم أن يروا الشوارع والمصانع تتجدد وأن يكون هناك إعمارٌ ونمو اقتصادي حقيقي في ظل عقم وجفاف اقتصادي لا يستطيع النمو، بل يعيش كسيحا ومحاصرا بعوائق روتينية وغول فساد متوحش ضخم ينقض عليه في كل مرة، خصوصا أن بكين ليست كواشنطن فهي لا تتدخل في شؤون البلدان التي تتعاون معها سياسيا ولا تشترط أسماء رؤساء معينة، لتدير الحكومات في بلدانها ولا تزود الجماعات العرقية والإثنية بالأموال والسلاح لتنتفض على حكامها، بل تريد حكومات مستقرة لكي تتعاون وتتعايش معها ووتقاسم الأرباح معها. الاستقرار السياسي وتقدير مصالح البلاد وشعبها امر مطلوب وحيوي، خصوصا أن هناك أزماتٍ مستمرةً ومتواصلةً ومعدلاتِ بطالة تتزابد بشكل مخيف سنويا باتت تحتاج الى بصيرة سياسية والى حلول عقلانية وواقعية، والمبادرة الاقتصادية الصينية واحدة من تلك الحلول.