ما بعد فيينا.. اللغز المحير

آراء 2022/04/06
...

 محمد صالح صدقيان
 
لم يأتِ  وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بجديد عندما نقل للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش أن مفاوضات فيينا قريبة من الاتفاق بعدما رمی الكرة في الملعب الأميركي بقوله إن بلاده أرسلت مقترحاتها حول القضايا المتبقية في المفاوضات للجانب الأميركي عبر مفاوض الاتحاد الأوروبي.
القضايا المتبقية التي أشار لها أمير عبد اللهيان و"القرارات السياسية الصعبة"، التي يطالب بها الجانب الإيراني هي المتعلقة بالحظر المفروض علی الحرس الثوري وهي مشكلة المشكلات، التي من أجلها انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من "الاتفاق النووي" الموقع عام 2015؛ وهي ذات المشكلة التي دفعت بالرئيس ترامب للقول عن "الاتفاق النووي" بأنه "اتفاق سيئ"؛ لأن هذا الاتفاق وباختصار شديد لم يعالج "الأمن الاسرائيلي" الذي يرتبط بشكل مباشر بأهداف "الحرس الثوري"، الذي يأخذ علی عاتقة "إزالة الكيان 
الاسرائيلي".
وليس خافيا علی أحد فإن الدول الست وهي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وأميركا وروسيا والصين، التي دخلت في المفاوضات مع إيران للتوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015 ؛ لم تكن متفقة في أهدافها حيال 
هذا الاتفاق. 
فالدول الاوروبية كانت تنظر لهذا الاتفاق علی خلفية أمنية اقليمية من أجل خلق بيئة تستطيع أن تحافظ علی استثماراتها في المنطقة، اضافة الی أن هذا الاتفاق منح الدول الأوروبية، وتحديدا فرنسا والمانيا، فرصة الدخول في معادلة دولية الی جانب الدول الكبری روسيا والولايات المتحدة بعدما كان ذاك عصيا عليها منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن؛ بينما روسيا نظرت للاتفاق علی أنه يحد من الطموحات النووية الإيرانية ويبقيها في اطار مستوی التخصيب 3.67 بالمئة، خصوصا أنها المعنية ببرنامج إيران النووي لأنها تعمل علی تزويد ايران بالمفاعلات النووية، ابتداء من مفاعل بوشهر وانتهاء بثلاثين مفاعلا نوويا تريد ايران بناءها خلال الخطة التي تنتهي في العام 2035 . 
في الوقت الذي نظرت إليه الصين علی أنه يؤمّن لها الأجواء للإفادة من الأراضي والموانئ الإيرانية في برنامجها "الحزام والطريق". تبقی الولايات المتحدة فإنها كانت ولا تزال تملك هدفا مغايرا للجميع وهو أن هذا الاتفاق يجب أن يؤمن "الأمن الاسرائيلي". وعندما قال الرئيس ترامب إنه "اتفاق سيئ" فإنه كان يشير بوضوح إلى أنه لم يستطع تأمين هذا الأمن الذي تری فيه واشنطن بأنه من مهامها وثوابتها في دعم ورعاية 
"اسرائيل" . 
وما فرضه الرئيس ترامب من عقوبات علی "الحرس الثوري" فإنه يرتبط بما تفكر به الولايات المتحدة أيا كان شكل الحكومة واتجاهاتها حيال دور هذا الحرس بتهديد الكيان 
الاسرائيلي.
ما تم حتى الان في فيينا هو التوصل الی حل القضايا المرتبطة بالعقوبات المفروضة علی ايران علی خلفية البرنامج النووي، في الوقت الذي طالبت ايران بإزالة الحظر عن "الحرس الثوري" باعتباره جزءا من الدولة الإيرانية، وهو معني بالجانب الاقتصادي حيث تعمل مؤسساته في المجالات الهندسية والفنية والعمرانية والاقتصادية الايرانية، ومن غير المنطقي - كما تعتقد إيران - أن تزال العقوبات عن ايران في الوقت الذي تستمر فيه علی مؤسسات اقتصادية تابعة لهذه 
المؤسسة. 
ما ترشح من معلومات عن البيت الأبيض أنه يعمل علی تهيئة الأجواء الداخلية والخارجية لإزالة الحظر عن "الحرس الثوري" مقابل مطالب أجابت عنها طهران وأرسلتها لواشنطن، عبر مفاوض الاتحاد الأوروبي كما عبر عنها الوزير أمير عبد اللهيان.
هناك تصور يفيد بأن مفاوضات فيينا تقترب من نهايتها وأن "القرار الصعب" الذي تريد الإدراة الأميركية اتخاذه موضوع علی طاولة البيت الأبيض، وينتظر الفرصة المناسبة للإعلان عنه أو لنقل إخراجه بالشكل المطلوب الذي يخدم الرئيس بايدن والانتخابات النصفية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.
الوزير عبد اللهيان قال في مقابلة تلفزيونية إن قادة الحرس الثوري ابلغوه بأنه يستطيع التوصل إلى اتفاق في مفاوضات فيينا، حتی وإن كان ذلك علی حساب إبقاء الحرس الثوري في قائمة الحظر، لكنه عاد وصحح المعلومة بعد انتقادات وجهها الفريق المتشدد، الذي اعتبر أن إزالة الحظر عن الحرس الثوري خط احمر لا يمكن التساهل معه؛ الأمر الذي أعطی اشارة واضحة الی عدم استعداد ايران التنازل عن هذا الخط.
لم يسرب الإيرانيون مستوی قبولهم بازالة الحظر لأنه علی مسارين. الأول إخراج الحرس الثوري من القائمة الارهابية المصنفة أميركيا؛ والثاني ازالة العقوبات المفروضة علی الحرس. ومن خلال تصريحات منسوبة للمندوب الأميركي للشأن الإيراني روبرت مالي يتضح أن الإدارة الأميركية ترغب بالعمل علی المسار الأول وابقاء المسار الثاني . 
لكن ليس من المعلوم هل أن ذلك يرضي الإيرانيين أم لا؟ إلا أن الأكيد أن القمم والمؤتمرات التي جرت في المنطقة خلال الشهر الماضي لا تشجع ايران على إبداء المرونة في مواقفها، خصوصا أن هذه الاجتماعات كانت موجهة بشكل خاص لطهران، سواء قمة شرم الشيخ الثلاثية او العقبة الرباعية، مرورا بالنقب السداسية عطفا علی جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن 
الإقليمية.
ومهما يكن من أمر فإن التصور الإيراني للأمن الإقليمي الذي هو "اللغز المحير" في مفاوضات فيينا، مطروح علی الادارة الأميركية، وهي التي تستطيع البت فيه في الوقت الذي تشعر طهران بأنها أكثر حرية في تعاطيها الاقتصادي بعد الأزمة الأوكرانية.