عبدالزهرة محمد الهنداوي
بسرعة فائقة شهدت أسعار النفط قفزات واسعة في معدلاتها، متأثرة بتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، وكذلك مستفيدة من تزايد الطلب العالمي بعد حالة التعافي من جائحة كورونا وعودة مختلف القطاعات الانتاجية، وفي مقدمتها قطاع النقل، الى الحركة، ومحاولة الأنشطة الاقتصادية، تعويض الخسائر الفادحة التي مُنيت بها خلال السنتين الماضيتين.
ولأنَّ مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد كانت البلدان المنتجة للنفط، أكبر المستفيدين، من الارتفاع الكبير في الأسعار، لأنها هي الأخرى، تعرضت خلال فترة الجائحة الى أضرار جسيمة، وكادت الحياة تتوقف فيها، لا سيما تلك التي ليست لديها قطاعات اقتصادية غير نفطية فاعلة، مثل العراق، الذي يعتمد بنسبة قد تصل الى أكثر من 60% في تكوين ناتجه المحلي على النفط، وبنسبة تتجاوز الـ 90% في موازنته السنوية التي غابت عام 2020 ومازالت غائبة لغاية اليوم ونحن نقترب من نصف عام 2022.
ما أريد قوله بعد هذه المقدمة الطويلة، إننا أمام فرصة كبيرة يمكن أن نستثمرها لصالح التنمية في العراق، التي عانت الأمرين خلال عقود من الزمن نتيجة غياب او قلة التخصيصات المالية في الجانب الاستثماري، إذ تكون الأولوية لتأمين المتطلبات التشغيلية ذات الوزن الثقيل، في الانفاق، الذي يصل الى نحو 83% من حجم الإنفاق الكلي في البلد، لذلك فإنّ تدهور حال التنمية يتطلب إعادة النظر بمسارات الإنفاق والتمويل، وإمكانية الاستفادة القصوى من ارتفاع أسعار النفط، وتحويل تلك الزيادات التي حققت أرقاما غير مسبوقة، نحو تمويل المشاريع، وفق آليات مناسبة، محكومة بضوابط صارمة، وتبدو المؤشرات جيدة فيما يرتبط بإمكانية استمرار ارتفاع أسعار النفط او على الأقل المحافظة على المعدلات التي وصلت إليها، والتي عبرت حاجز الـ 110 دولارات للبرميل، وبهذا بلغت ايرادات العراق التي أعلنتها وزارة النفط خلال شهر اذار الماضي فقط أكثر من 11 مليار دولار، وهو سقف لم يصل إليه العراق، منذ بدء بيع النفط عام 1972، وحتى حجم الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي تحسن بشكل لافت خلال العام الحالي، فقد وصل الى أكثر من 100 مليار دولار، ما يبعث الاطمئنان الكامل بقدرة الاقتصاد العراقي على تجاوز أزماته المزمنة وفي المقدمة منها، الريعية والأحادية، وهنا، ونحن نتحدث عن استثمار عوائد النفط لدعم التنمية، فإنّ الأمر يستدعي الوقوف في منطقة "الأمن الغذائي" الذي يشكل المرتكز الأساس للنهوض التنموي، وهذه المنطقة تتطلب إيلاء القطاع الزراعي والصناعات التحويلية اهتماما استثنائيا، آخذين بنظر الاعتبار التداعيات الخطيرة للحرب الروسية، التي تسببت بارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما ولد شحا غذائيا عالميا يبدو مخيفا.