مفارقات نفطيَّة.. سِيَّان زاد أو نقص

آراء 2022/04/07
...

  طالب سعدون
 
 لم يدهشه، بل لا يعنيه كثيرا هذا الارتفاع الكبير في أسعار النفط، فهو لم يجنِ منه غير الدم والألم والندم، وهذا الفساد والنهب والتراجع والدمار والخراب والموت والحروب والضياع.. كان يراه عاملا رئيسيا في انتهاك سيادة بلد كبير، كان يحسب له حسابا في محيطه 
والعالم.
 ويرى.. أنَّ النفط وليس غيره جعلهم ينظرون إلينا نظرة أخرى، وكأن أرضنا (بقرة حلوب، يستكثرون عليها حتى علفها) أو نحن قاصرون لا نحسن التصرّف بها، أو لم تكن من استحقاقنا، ويجب أن تنهب بمختلف الوسائل، حتى وإن كانت عن طريق أبنائها بالفساد، وسوء الإدارة والإرادة بمن يولى عليها.
مفارقة غريبة أن يكون النفط مصدر قوة لهم، وضعف لنا.. كان ولا يزال، وسيستمر الى ما شاء الله، يدير عجلة التقدم والبناء والنهوض والقوة في ديارهم، ويصنعون به سلاحهم، ويكون سببا لضعفنا وقتلنا.. هم يتقدمون، ونحن نتأخر.
 ومن المفارقات أيضا أن يكون النفط بابا واسعا للتفكك 
والتشرذم  والأنانية، عندما يتصور من يمتلكه أن له فضلا ومنة على الآخر الذي لا يمتلكه، وكأنّه تميّز له من الله على غيره من أبناء بلاده أو الآخرين بوجوده على أرضه، بعد أن صدّعوا الرؤوس بالحديث عن المصير الواحد والأرض الواحدة والتاريخ المشترك ورابطة الدم والإخوة والدين والإنسانية والمواطنة وصلة الرحم والقربى.
سعر النفط لا يعني شيئا - ارتفع أو انخفض -  لمن استقرت حالته على خط الفقر، لكنه يعني الكثير لمن كانت هذه النعمة لها أثر واضح ولها معالم على أرضه، في تطوره وتقدمه العلمي والصناعي والزراعي والعمراني والخدمي، ورعاية الإنسان وبنائه بمواصفات زمانه.. يراعي فيها الحقوق.. حق الله والوطن والفقير 
وكل محتاج.
النفط سلاح ذو حدين... يمكن أن يؤدي إلى الكسل والاتكالية والفساد.. فالاعتماد على مصدر واحد (ريعي) يجعل البلاد رهينة لتقلّبات الأسعار وتعرضها الى أمراض اقتصادية واجتماعية خطيرة، منها الركود وضعف النمو الاقتصادي وانخفاض نسبة الإنتاج بمختلف مرافقه بما في ذلك أداء المؤسسات، فيكون نقمة عليها بدلا من أن يكون نعمة، كما هو في دول أخرى أحسنت استخدامه، ويكون مصدر قوة لها كما رأينا عام 1973، أو في بناء تنمية بشرية واقتصادية واجتماعية وعلمية ويخلق تراكما في الموارد والخبرات يضمن حق الأجيال المقبلة في هذه الثروة، لأنّها ملك الجميع، وليس من حق جيل واحد أن يستأثر بها، ولم يترك شيئا على الأرض يساوي حصتها الحقيقية، وفائدتها التراكمية.. يترك معالم (بناء ونهضة وعلم وموقع لائق ومناسب في العالم)، إن لم يفعل ذلك يكون قد (صادر حق جيل آخر) إذا جاز التعبير، بدعوى أن حصته مضمونة في باطن الأرض، وفي الاحتياطي الكبير، لكنه مع مرور الزمن وتوسع الاكتشافات النفطية في مناطق كثيرة في العالم، قد لا يكون نفطه في حينه بتلك القيمة 
والدور. 
واستمرار اللعبة السياسية العالمية في أسعار النفط تخرج هذه القوة من يد مالكها، إن لم يكن مؤثرا ولاعبا أساسيا فيها، ومن لم يستثمره الاستثمار الأمثل في بناء مرتكزات اقتصادية وبشرية مهمة قد لا يمكنه في يوم ما حتى أن (يملأ بطنه) منه.. المستوى الكبير في الأسعار يؤدي إلى زيادة رصيد البلاد من العملة الصعبة وهو فرصة كبيرة ينبغي استغلالها لتحسين وضع البلاد قبل أن تعود الأسعار إلى الانخفاض من جديد.. في التنمية والبناء وإقامة مشاريع إنتاجية وخدمية تكون لها انعكاسات ايجابية كبيرة على توفير فرص العمل وتحقيق الاستقرار للبلاد عموما.. وتلك من أولى مهمات الحكومة من خلال إنشاء صندوق خاص أو هيئة خاصة 
لهذا الغرض.