انـفـعــالات سياسيَّـة عـاقـلــة

آراء 2022/04/07
...

  أ.د.عامر حسن فياض
 
(1)
عندما لا يكون هناك فن الحكم نجد العقل يتعثر بآفة الحكم. فالحكم وسيلة لا غاية، وهو وسيلة لتجنب الأخطاء وإصلاح الأحوال، وليس أداة لتبرير الأخطاء ونهب الأموال، إنه حكم أعباء وأمانات وليس حكم مظاهر وشكليات. 
وفي مركب الحكم الصالح ينبغي أن تصبح المصالح العامة هي الأساس، والمصالح الشخصية هي الفروع وليس العكس. 
ينبغي أن يسير مركب الحكم الصالح بقوة الشعور بالمسؤولية وشدة الإحساس بالمستقبل. ومن دون ذلك فالحكم فاسد، إذ تختل الموازين وتضطرب المقاييس، ويسير الأعوان الفاسدون على مسار العنوان الأفسد. فلا يتم النظر إلى معالجة المشكلات من زاوية المجموع بل من زوايا المنافع الشخصية الضيقة. فتصبح الحياة كومة انشغالات لإشباع الغرور وحب الظهور ثم يذهب الفن عن مركب الحكم وتبقى الآفة فقط. 
(2)
وحين يتعثر فن الحكم وتتسيّد آفة الحكم يعيش المرء بلادا تريد أن تحكمها طحالب الجهل، عند ذلك يتأمل العقل بضياع الموازين، وانقلاب القيم، واختلاط الحابل بالنابل، إذ لا يمكن التمييز بين المحق من المبطل، ولا يمكن التمييز بين الصادق عن الكذاب الأشر. ويصير النفاق مجاملة، والخداع دهاء، والفساد ذكاء.
في المركز كما في أطراف مركز هذه البلاد يصبح من يجهر بكلمة الحق كالقابض على الجمر، ويبات المعتز بكرامته معتوها، والمتمسّك بعزته غبيّا، والمتشبّث بكبريائه عبيطا. وبعد أن يتحتم على من يريد العيش في ضياع هذه البلاد من أن يبتعد عن أن يكون له في الحياة  شأن تتألق الأسماء التي تداهن، لأنّها أسماء لزجة كبطن البرص، وناعمة كالسحلية، وملتوية كالثعبان، ومنحنية كذيل الكلب الأجرب الهزيل. 
في مثل هذه البلاد التي تحكمها طحالب الجهل لا يوجد خط مستقيم، لأنّ كلّ شيء فيها محدّب أو مقوّس. 
والمصالح فيها لا تقضى إلا بالطرق الملتوية.. الأمنيات فيها لا تتحقق إلا بسلوك الطرق المعوّجة، والمواطن كي يكون شيئا ذا بال، وكي ينجح في ما يصبو إليه من آمال ليس مطلوبا منه أن يكون عالما في ميدانه أو فهامة في تخصصه ولا مطلوبا منه أن يكون مخلصا أو متحمّسا أو ملمّا بجلائل الأمور. المكر الباسم، والخبث الغبي، والدهاء المعسول بالختل والحيل والتلوّن ليغرق بالنهاية في مستنقع العدمية الوطنية. 
(3)
تعني الوطنية عند الناس وفي القواميس أن يتصرف أبناء الشعب بإدارة شؤون بلادهم الداخلية والخارجية بملء حريتهم وإرادتهم. والسلامة الوطنية تعني سلامة الأرض والعرض، فضلا عن سلامة حياة المواطن وسلامة سيادة الوطن. 
والوطن يعني أن كل شبر من الأرض هو ملك الشعب الذي ينتسب إليها. والوطن أمانة في الأعناق ووديعة في السواعد. وهو ملك الآباء والأجداد الذين يرقدون تحت ترابه، وملك الأبناء والأحفاد من الأجيال الآتية.
مما تقدم يفهم أن الوطنية تتعارض مع استفحال الفوضى والجهل والتخلّف وتتعارض أيضا مع التنازع على المنافع الذاتية، ومع استباحة المرافق العامة، ومع الاستخفاف بحقوق الناس، ومع إغفاءات الضمائر.
كما أن الوطنية لا تقبل أن تكون الرشوة سيدة الدوائر ولا تقبل أن يكون آلاف الأطفال على الطرقات لا مكان لهم في المدارس، ولا ترضى أن يظل الشباب بلا عمل، والأسرة بلا بيت، والقرية بلا طريق، والمحلة بلا ماء، والمريض بلا دواء. 
إلى متى يبقى الجهل على التل؟!.