نقد التغريب بين آل أحمد وشريعتي

ثقافة 2022/04/09
...

  علي المرهج
 
جلال آل أحمد مفكّر وأديب وقاص إيراني ولد في عام 1923، وتوفي في عام 1969، انتمى لحركة اليسار أو (الحزب الشيوعي الإيراني) أو (حزب توده)، لكنه انفصل عنه، وانتقد الإمبريالية الغربية ونزعتها الرأسمالية، وحينما حدثت الثورة الإسلامية في إيران وظفت بعض مقولاته في نقد الغرب الإمبريالي، فكان جلال آل أحمد مثالًا يُحتذى في نقد نزعة "التغريب"، لا سيما تأثير كتابه "مُلتاثون في الغرب"، حتى وصف بأنّه "أديب المقاومة".
يصف جلال آل أحمد التغريب في كتابه "نزعة التغريب" وكأنّه وباء مثل الكوليرا. لقد شبه أصحاب نزعة التغريب وكأنّهم ذلك الحمار الذي لبس جلد الأسد، لأنّها نزعة استهلاكية أخذت من الغرب القشور وتركت اللب، وقد أشار لهذا المفهوم زكي نجيب محمود في كتابه "قشور ولباب".
ليضرب لنا آل أحمد مثلاً باليابان التي تمكّن أهلها من أكل اللباب وترك القشور ليحققوا نهضتهم التي نعرفها اليوم.
إذن هو ليس ضد التغريب حينما يعمل أصحابه على الافادة من علوم الغرب وتبيئتها، عبر سعيهم لاكتشاف أسرار العلوم والتقنية.
هل يشمل التغريب العلمانيين فقط كما يذهب لذلك جلال آل أحمد؟، الجواب بالقطع لا، فما رأيك بأغلب المتطرّفين الذين يستخدمون كل نتاجات الغرب وتقنية التدمير عندهم للقضاء على المخالفين لهم عقائديّاً؟، هل أخذ هؤلاء بلباب الفكر أم بقشوره؟.
يقول جلال آل أحمد "إنّنا ما لم نعِ ماهيَّة وفلسفة الحضارة الغربيَّة، وما دُمنا نُصرُّ على تقليد حركات الغرب بصورة ظاهرية وسطحية (عبر استهلاك منتوجاته) فلن نكون أكثر من ذلك الحمار الذي لبس جلد الأسد". 
أما بالنسبة لعلي شريعتي فهو كذلك ضد نزعة التغريب، أو ما أسماه مُتفقاً مع علي الوردي بـ "التفرنج"، أو ضد أن يكون انفتاح الإنسان المسلم بشكل يجعل "العلاقة بيننا علاقة سيد بتابع، علاقة أحد طرفيها مُفلس، وعامل، وأداة، والطرف الآخر غني ورأسمالي. من هنا فالغربي فقط من له وجود". فلا معنى للقول بوجود أصيل لنا ونحن نستغني عن نتاجنا الحضاري الذي يُمكن لنا بوعي تحرري أن نُعيد انتاجه بما يجعلنا مشاركين فاعلين لا تابعين مُقلّدين.
لكن ما ينبغي الالتفات إليه هو أنَّ علي شريعتي يمتدح المفكرين والفلاسفة الغربيين، وينتقد مفكرينا، لأنّهم تابعون مُقلّدون وبتسميته "المُفكّر من الدرجة الثانية، الذي يكفيه اتقان اللغة الأجنبية واستمداد العون من كتاب، أو هو المفكّر الذي عرف كيف يُغيّر ملابسه وزينته، وتصرفاته لا على أساس الاختيار، إنّما على أساس التقليد، وهو لا يختلف عن السلفي الذي احتفظ بملابسه القديمة، وتمسكه بتصرفات وتقاليد ورثها من ماضيه، فكلاهما يتصارعان ويتحاربان، وحربهما لا تعدو سوى "حرب في الاستهلاك"..
ما يُميّز الغرب ومفكّريهم هو أنَّهم:
ـ تعاملوا مع الماضي على أنّه ذكرى مُحترمة وعصر تاريخي، أما عندنا فالماضي حالَ الحضور دائماً، وهو حيٌّ لا يموت، بل هو العصر الذي يعيش فيه قومنا.
ـ تعيش الأغلبيَّة في مجتمعات الغرب عصرها، وينطبق الزمان الاجتماعي عندهم مع الزمان التقويمي.
ـ في الغرب: يكون المفكرون المُستنيرون على علم بأقوامهم، ومجتمعاتهم، وثقافتهم، أما عندنا فمُجرد أشباه لهؤلاء غرباء عن أقوامهم، فأطلق عليهم شريعتي تسمية "أشباه المُفكّرين" أو "أشباه المُثقفين" و"أشباه الغربيين".
ـ برجوازيوهم مفكرون، تقدميون عصريون مُضادَون للكنيسة، وثوريون مُطالبون بالحرية، ومن أعمالهم الثورة الفرنسية الكبرى، أمَا برجوازيونا الكلاسيون فهم عبارة عن عبد مُطيع للمسجد، وفي أحسن الأحوال هم مفكّرون تأمّليون (مثاليون) يحلمون بتغيير واقع مجتمعهم برؤى حالمة "رفيعة مثالية"، و"مثاليات ذهنية."
إذن، كلا المفكرين جلال آل أحمد وعلي شريعتي ينتقدان التبعيَّة ويدفعان باتجاه الإفادة من علوم وفلسفة الغرب لا باستعارتها والعمل على اتخاذها أنموذجاً للخلاص أو لتحقيق النهضة المرجوة، بل بالعمل على فهم طبيعة هذا الفكر ومحاولة نقد ما يُمكن نقده.