الطبخ مع سيلفيا بلاث

ثقافة 2022/04/09
...

 بقلم: فاليري ستيفرز
 ترجمة: هناء خليف غني
في مذكراتها اليومية كانت الشاعرة سيلفيا بلاث 
(1932-1963) تحب التباهي بفطيرة الليمون والميرنغ (نوع من الحلوى) "اللذيذة" التي كانت قادرة على إعدادها حتى في أحلك الظروف. إذ كتبت ذات مرّة أنها كانت "تبرد محلبي الليمون وقشرته على حافة نافذة الحمام الباردة"، على ما يبدو لعدم توفر ثلاجة في الشقة المستأجرة التي كانت تقيم فيها مع زوجها الشاعر تد هيوز في سمث كولج.
 
إنَّ عُشاق صنع الفطائر يدركون أنَّ الحفاظ على العجينة "باردة، باردة، باردة"، مثلما تذكر وصفات طبخ الطعام، هي الخدعة، وأن التبريد هو شيء جوهري للحصول على خثارة الليمون الكثيفة. سيشعرون بالدهشة، مثلما شعرت أنا، لمهارات سيلفيا المنزليَّة. 
كانت سيلفيا مُلتزمة بأنموذج الكمال في عملها ككاتبة وامرأة في خمسينيات القرن العشرين؛ إنّها معضلة العمل-الحياة التي ما يزال صداها يتردد بين النساء في الوقت الحاضر. في قصصها، تميل سيلفيا إلى استخلاص الجوانب الكابوسية في الوجود الأنثوي. في قصتها القصيرة "أمهات"، مثلًا، تحاول اسثر، إحدى شخصيات النص السردي، أن تتكيّف مع الحياة في مدينةٍ صغيرةٍ، إذ تطبخ كمية كبيرةً من الكرنب اللفتي، الذي بدا شكله مُذهلًا في السوق، لكنّه بعد دقيقتين في قدر الضغط يتحوّل إلى هريس برتقالي باهت اللون غمر قاع القدِر وجوانبه بسائل لزق كريه الرائحة. في مساء اليوم ذاته، تناولت اسثر عشاءها في بوفيه مفتوح يحتوي على عددٍ مُدهش من أنواع الكيك زُيّنت جميعها بعناية، بعضها بحبّات الكرز والبندق وبعضها بأنواع الكريمة الحلوة. "هناك إحساس بالزمن الضائع، بشخص ذكي في مواجهة العبث الذي وجدت نفسي وجهًا لوجه معه، أنا التي انطلقت، في إحدى المرات، إلى عملي في مانهاتن وأنا ما أزال ارتدي المئزر".
ومع ذلك، فاليومي والمألوف في مذكرات سيلفيا يُمثل غالبًا مصدر فرح وسعادة. إذ كانت تُحب تناول الطعام وكانت مهووسة بالطبخ وإعداد الأطباق للحفلات المسائية. في "سيلفيا بلاث: اليوميات الكاملة"، تصف سيلفيا مؤلفة كتاب "متعة الطبخ"، ايرما رومبير، بـ "رومبيرتي المباركة" وتقرأ الكتاب كما لو أنه "رواية نادرة" محشوة بوصفات الطعام اللذيذة...بجميع مقادير التتبيل الصحيحة".
أحيانًا، تشعر الشاعرة بالأسف، فبدلًا من دراسة الفيلسوف الإنكليزي "جون لوك، مثلًا، أو الكتابة...ها أنا أعد فطيرة تفاح"، مع أنَّ الفطيرة تُشعرها بالسعادة. 
واحتفاءً بسيلفيا، أعددت وجبة فطورٍ ذُكِرت في يومياتها من الملفوف المقلي على خبز مُحمّص مع قطعٍ من اللحم المُقدد والبطاطا؛ واعتمدت في الوصفة على تقنية طبخ مُبينة في القسم الخاص بالملفوف في كتاب "متعة الطبخ، كانت فيه التتبيلة تعتمد أساسًا على الفلفل الأحمر. كانت سيلفيا مولعة باحتساء القهوة، ومع أنّها ذكرت في إحدى صفحات يومياتها في شهر نيسان 1959: (كنا نحتسي القهوة اللاذعة، وشعرنا بالضيق والتشتت مثل الجو الرطب)، فإنّي فضلت وضع الخبز المُحمّص مع الشراب الصباحي الذي يُفضله زوجها، وهو "حليب البراندي"، ثم، ولتأثري بمشهدٍ في الفيلم السينمائي "سيلفيا" حيث تُعد غوينيث بالترو، المُمثلة التي أدت دور سيلفيا، جميع أطباق الكيك-المبنية على فكرةٍ قصصيةٍ مُدوّنةٍ في يوميات الشاعرة- حاولت تقديم "عددٍ مدهشٍ" من أنواع الحلوايات.
أعددت فطيرة حلوى الميرنغ بالليمون التي برعت فيها سيلفيا، ثم أعددت، بفضل إشارة شائقة ومغوية إلى "طبقة الكعك الملائكية" في مذكراتها اليومية، خثارتين إضافيتين من الليمون الحامض والبرتقال وفطيرتيَ لبن رائب بطبقات علوية "ملائكية". كما أعددت كعكة رغيف بتلبيسة رائعة من المكسّرات وحبّات الكرز.
انتحرت سيلفيا، ابنة الثلاثين عامًا، في مطبخها في 1963 بعد أن أغلقت بعناية الغرفة التي ينام فيها أطفالها، توفيت مختنقةً بغاز أول أوكسيد الكاربون الذي تسرّب من الفرن الذي حشرت رأسها فيه. إنّ يومياتها تكتظ بصور الصراع بين "ذاتها البهيَّة التي تهوى السماوات والتلال والأفكار ووجبات الطعام اللذيذة والألوان المُبهجة" و"الشيطان الذي سوف يقتل هذه الذات". ومع أن الأمور كانت تسير من سيئ إلى أسوأ، إلّا أنّ سيلفيا كانت تشعر دائمًا أن "نفض الغبار وتنظيف الأطباق يوميًا والتحدث إلى الناس السليمين عقليًا...يُساعدها في هذه الحياة". 
واليوم، نحن نطبخ ونُعدّ الوجبات تكريمًا لها.