المدينة وتشوّهاتها.. مسؤوليَّة الدولة والفرد والمجتمع

آراء 2022/04/11
...

 د. سلامة الصالحي
 
انطلقت حكاية المدن الأولى ونظامها في العالم من هذه الأرض.. أرض الرافدين وتميزت عن القرى وتجمعات الصحراء ومنها بدأت رحلة البشرية في الكتابة والتدوين واختراع العجلة وانظمة الحكم والقوانين والاقتصاد والاديان والفنون والثقافات... وبلد بهذا الإرث العظيم من الحضارة والثقافات التي ارتقت بالإنسان وانتقلت الى جميع أرجاء الأرض لا بد أن تكون ثقافته راسخة ولا يتخلى عنها مهما واجه من محن وصعوبات وكوارث تبقى الأسس الصحيحة تؤدي الى نهايات صحيحة... والشعوب الحرة تحافظ على كل تفاصيل أوطانها مهما كانت صغيرة وغير منظورة إن كانت تنشد التطور والبناء الصحيح للإنسان وما حوله وينعكس هذا على كل تفاصيل الحياة إذ ستكون ثقافة وحرصا يتجسد في يوميات الإنسان بعمله وتعاملاته ومنظومته الأخلاقية. بعد حقبة الدكتاتورية وما أدخلته على المدن العراقية من ثقافات منفرة.. جاء الاحتلال وما جلب معه من امتداد لهذه الثقافة التي بدأت باستسهال الاعتداء على المال العام وسرقته وانتهاءً بالتنازلات الوطنية الكبرى التي لا يمكن أن تكون قد حدثت إلا بكون هناك خلل بنيوي كبير في منظوماتنا الأخلاقية والوطنية... فمظاهر تخلف المدن وترييفها لا تجد صعوبة في رؤيتها تنتشر وتبدو كثقافة راسخة ومؤلمة حين تقارنها بأي مدينة في العالم لا تجد شبيها لمدننا في إفساد الذوق العام والاعتداء السافر على واجهات وهيأة المدن التي تريّفت وتهجّنت بشكل لم يسبق له مثيل.. فمسؤولية حماية جماليات المدن وحرمتها تقع على عاتق الناس والدولة.. وتبدأ من انتشار غير مسبوق للصور الكبيرة التي تذكرنا بصور الطاغية التي انتشرت بشكل استفزازي وانتهت تلك النهايات المأساوية... ولن تجد بأي دولة في العالم هذا الكم الهائل من الصور التي تستعرض رموزا دينية وعسكرية أينما حل وجهك او اتجهت عيونك... وهذا بعيد عن أي مظهر حضاري تتمظهر به المدن ولا ندري متى تنتخي الناس لمدنها وتتوقف عن لصق الصور هنا وهناك وكأنها بيت ريفي تم نشر الصور به بعشوائية وبلا أي داع، وهل حدث هذا بموافقة البلديات ومباركتها خوفا من بطش الأحزاب والقوى الخفية أم أن ضعف سلطة القانون سمحت لهذا وذاك بتشويه وجوه المدن وفوضويتها؟...أما واجهات البنايات في  الشوارع الرئيسية والتي اهترأت وتجعّدت وبان هرمها وهذا ينعكس على نفوس الناس وردود فعل سلبية تعطي الى من يتمعن وينظر... ناهيك عن الأرصفة المحتلة من قبل أصحاب المحال والتي صارت أشبه بالملكية الخاصة التي يعبث بها من يشاء... في عاصمة ومدن في بلد ثري مثل العراق لا بد أن تختفي مظاهر البؤس والقبح التي طالتها وتزال هذه الكميات الهائلة من الصور التي تعكس رأيا سياسيا يؤدي الى نتائج سيئة تدل على التباهي الفج والصلف ولا تعطي أي احترام او قيمة لهذه الشخصيات التي باتت صورها تنتشر لترافق صباحات المدن ومساءاتها... وهنا أتساءل هل هي إعلانات وتجلب موارد للدولة أم أنها استقواء على الدولة والناس وعناد في تأكيد شيء لا مبرر لتأكيده.. صرنا نسير بمدن خربة ومخربة... وسواحل النهر وما يعتليها من بنايات مهدمة لا نعرف لمن او من يمتلكها ليتجاوز على محرمات الأنهر من دون قانون يحاسب هؤلاء.. وحتى لو كانت بسند فإن مقتربات الأنهر ملكية عامة لا يحق امتلاكها والعبث بها... مدننا وأولها بغداد تحتاج لثورة جمالية تزيل ما علق بوجهها العريق من تشويه وإساءة.. وليرافق العمل على تطوير الخدمات تطوير جمالية العاصمة وإصلاح جذري بما يليق بعراقتها ومجدها وحتى وسائل النقل وتخلّفها والازدحامات يجب أن يوضع لها حل لتوازي المدن الحديثة بالقطارات الكهربائية ومترو الانفاق والباصات العمومية، المكيفة، وإيجاد فرص عمل بديلة لهذا الكم الهائل من سيارات الأجرة والاستخدامات الشخصية للسيارت التي باتت تشكل خطرا بيئيا كارثيا على المدينة من تلوث العوادم الى الضوضاء والتلوث الصوتي الى انتشار ما يسمى بالتكتك الذي يقوده أطفال صغار يشكلون خطرا وبيلا على حياة الناس وجمالية المدينة..... وللحديث 
بقية.