19 عاماً بعد انهيار دولة البعث

آراء 2022/04/11
...

 إبراهيم العبادي
في دراسة وجيزة اطلعت على مسوداتها، يقارن سفير العراق في ألمانيا الاتحادية، (السفير لقمان عبدالرحيم الفيلي)، مرحلة حرجة من تاريخ ألمانيا بواقع العراق الراهن، السفير الفيلي كتب عن جمهورية فايمار الألمانية، وهي المرحلة التي تلت هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، فقد شهدت ألمانيا حالة اضطراب سياسي شديد مصحوبة بصراع حزبي وايديولوجي وضغوط الدول التي تطالب بالتعويضات
 فضلا عن تضخم مالي وانهيار في قيمة العملة وتراجع شديد في مستويات المعيشة، قادت هذه الظروف القاسية ألمانيا الى الخضوع لحكم الحزب النازي بعد 15 عاما فقط، وبأدوات ديمقراطية، فالنازيون لم يصلوا الى السلطة بانقلاب عسكري ولا بعد حرب أهلية، ولكن نجحوا في استثمار الانقسام السياسي والشعور العميق بالمهانة بسبب التعويضات وشروط الاستسلام المذلة التي فرضها الحلفاء، زادتها المعطيات الاقتصادية التي نتجت من ظاهرة الكساد العظيم الذي أصاب الولايات المتحدة عام 1929 والتي أدت الى توقف المساعدات الأميركية الى ألمانيا وتردي الاقتصاد بعد انتعاش محدود بفعل التدخل الأميركي.
ألمانيا صاحبة التراث الامبراطوري والثقافة القومية المتحفّزة وجدت نفسها تنساق بفعل الضيق من الأداء الحزبي والصراعات المنتشرة في كل مكان، لتقبل بانقلاب تدريجي على الديمقراطية، جعلها فريسة انحطاط سياسي لا مثيل له بسيطرة الحزب النازي على الحياة العامة وقيادته الأمة الألمانية الى الانتحار مجددا بفعل جنون العظمة وحسابات التفوق العرقي والثأر من الأحزاب والايديولوجيات والدول والأعراق التي لم تقدر الشعب الجرماني حق قدره بمقاسات القوميين المتطرفين الألمان!.
تجربة جمهورية فايمار أنموذج معاصر لما يمكن أن يرتكبه الزعماء والساسة والأحزاب والشعب التائه والجيران وتقاطع حسابات الدول القريبة والبعيدة، فالعراق الذي يفتخر بتاريخ حضاري طويل واعتزاز كبير بماضيه العريق ووزنه الجغرافي وموارده الكبيرة، يفشل في حل مشكلات الحكم ويتراجع اقتصاديا وتحاصره المشكلات الداخلية والخارجية، ويندفع شبابه الى خيارات غير متوقعة، هذا الواقع المؤلم يرتب على السياسيين والجمهور مسؤوليات التعلّم من تجارب الآخرين، فإلى متى يستمر التصارع على السلطة بين مشروعين أو ثلاث؟، ولماذا يخفق العراقيون في الاحتكام الى الدستور ليكون فيصلا في حل مشكلاتهم؟، وما العلل التي تدفع الطبقة السياسية الى التنازع المرير بما يفقد الناس صبرهم وثقتهم ويقربهم يوما بعد آخر من حافة العنف؟؟.
من يقرأ أعوام ألمانيا في عهد جمهورية فايمار، سيجد ثمة تشابها وتقاربا في المشكلات، وفي ما أخفقت أحزاب الوسط العريقة وتراجعت شعبيتها لصالح أحزاب اليمين المتطرّف في قبال جنون ومثالية وثورية أحزاب اليسار، جاءت انتخابات عام 1933 لتضع ألمانيا على سكة الشمولية والحزب الواحد والرأي الواحد، وأزيح تراث طويل من العمل الحزبي المتعدد لتهيمن طفولية نازية متطرفة تخاطب المشاعر وتغيب العقل وتستهزئ بالعقلانية وتطارد المختلفين معها في كل زاوية وشارع.
هل ينتظر الساسة في العراق ثورة جياع أم ثورة انفلات مشاعر واحتجاجات ليتأكدوا أن صراعاتهم وتشبثاتهم بالمواقف ستنتج عنها مضاعفات شديدة 
الخطورة؟.
تجارب التاريخ وقصص الشعوب تقدم دروسا عن مخاطر ازدراء التفكير العقلاني وتقديم خطابات شعبويَّة ورؤى تختلط فيها الأوهام بالآيديولوجيات، جميع الاحتمالات السيئة غير مستبعدة حينما تتبلور فكرة مركزية في أذهان الجمهور المحبط مفادها أن مستقبلهم ضائع إذا ما استمر الدوران في حلقة الأفكار والأشخاص والأحزاب التي استهلكت نفسها وأمست فارغة عن الإتيان بجديد معقول ينتظره الناس. الساسة العقلاء وذوو الفكر والنظر والنخبة الواعية المتجنبة مدعوون الى حراكات ايجابية تصنع خيارات وحلولا لا تحتمل التأجيل، إذ يكفي العراق ضياعا للفرص وفوات 19 عاما كان يمكن أن تضعه في مسار غير مساره الحالي المحفوف بالمخاطر والتحديات الجسيمة. لدينا استعداد مجتمعي لقبول الشمولية والعودة الى السلطة المستبدة، المقارنة بين العهد الحالي والعهد البعثي إحدى 
مؤشراتها.