مشاهدات لمهرجان مسرحي

ثقافة 2022/04/11
...

 د . سعد عزيز عبد الصاحب 
 
أن تقيم مهرجاناً أو تجمعاً ثقافياً أو فنياً دولياً فهذا من نافل القول أمر محمود لما سيتركه من آثار إيجابية على المجتمع والبيئة والجمهور والآخر الوافد إلى الأماكن التي سيقام فيها كقيمة تسويقية، وحازت مدن عديدة شهرتها في ضوء استقبالها لعديد المهرجانات والتجمعات الثقافية والفنية وقد سميت بعض المهرجانات باسماء هذه المدن كمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ومهرجان قرطاج ومهرجان بغداد المسرحي وغيرها بوصفها مدناً منفتحة ليست لها خصوصية دينية أو اثنية محددة، ولكن أن تأتيك دعوة للمشاركة في مهرجان فني يعنى بالمسرح تقيمه مدينة دينية مغلقة، فذلك الأمر يحتاج حتما لوقفة تأملية طويلة ومما زاد من مستوى التوتر لديَّ وفضولي وشوقي للمشاركة أني دعيت بوصفي عضوا في اللجنة النقدية للمهرجان المنعقد للفترة 1 ـ 5 /3/ 2022 تحت عنوان "مهرجان الحسيني الصغير الدولي السادس لمسرح الطفل في مدينة كربلاء". 
إذن هو مهرجان يعنى بالطفل والطفولة وله سنوات قصيرة منذ انطلاقته الاولى، فالمولود في عامه السادس وهو يغذ الخطى ويكبر رويدا رويدا.. لتصبح له اليوم ذاكرة ومزايا وخصوصية واهداف واستراتيجيات كان قد شكلها وهو اليوم يدافع عنها بضراوة، ولكن السؤال الأهم هل كانت المدينة الدينية بأعرافها وتقاليدها وسننها عائقا في إقامة وتفعيل مثل هذا المهرجان؟، لا سيما أن الفن المسرحي لديه متطلبات قد تقفز على هذه الأعراف والسنن نحو إنتاج تابوات وممانعات قد تكسر هذه العلاقة غير الطبيعية وغير المتوافقة من وجهة نظر البعض بين المدينة الدينية المقدسة والفن المسرحي، فالحرية النسبية المتاحة من قبل القائمين على العتبة الحسينية المطهرة بقسم رعاية وتنمية الطفولة فيها انتجت تلقيا وانتاجا مسرحيا شفافا ومرنا يخلو من العوائق والفخاخ التي يمكن أن توضع في وجه إقامة مثل هكذا مهرجان، فمثلا كنت أعتقد أن ثيمات وموضوعات المسرحيات المقدمة ستتكئ على نسق التراجيديا الحسينية في واقعة الطف كمأساة أولاد مسلم او عبد الله الرضيع وما شابه إلّا أنَّ توقعي لم يكن في محله، إذ كانت مخيلة القيمين على المهرجان أوسع وأكثر رحابة حين انفتحوا على الطفل في كل العالم بموضوعات أممية وحكايات عامة تؤكد على الانسان والطفل كونه اللبنة الأولى في بناء المجتمعات ثيمات انفتحت على الأسرة والبيئة والتعلّم والتربية بقيمها الجمالية والروحية، اضافة لتربية المهرجان ورفده بجمهور واعٍ من شريحة الأطفال لمشاهدة العروض المسرحية وفك علاماتها ورموزها وأحجياتها فأصبح لدى المهرجان متلقٍ عارف بمستويات وأنساق العرض المسرحي وتلاوينه بعد أن شاهد خمس دورات سابقة فصار لديه تراكم نوعي وكمي في عدد العروض التي شاهدها.. فالمتلقي الطفل أخذ يحضر بأعداد كبيرة جدا الى صالة العرض وبتوقيتات مبكرة وفئات عمرية مختلفة تتجانس مع خطاب العرض المسرحي والفئة العمرية التي يتوجه اليها برسائله، وهذا الأمر مهم جدا في عدم تشويش الرسائل التي يبثها العرض للمتلقي الطفل، فضلا عن توافر التفاعل والتواصلية الماتعة بين العرض وجمهور الأطفال حين يستجيبون لحركة هنا وإيماءة هناك بالضحك والتصفيق والانصات، وابتكار القائمين على المهرجان فقرة جديدة تقام ما قبل العرض المسرحي وهي الحكواتي تهيئ الطفل للدخول الى العرض بأصوات نسوية متميزة للبنانية سارة قصير والتونسية رائدة قرمازي والعراقيتين استبرق الكاظمي ولقاء الجبوري في منافسة رائعة لتوصيل فنون الحكي لمجموعة الأطفال اللذين تفاعلوا مع الحكواتية وسرودهم وما تحويه من أمثولات وعبر وحكم وتنشيط لتركيز الذاكرة لديهم.. فضلا عن العروض المسرحية المنتقاة التي ناهزت على السبعة عروض موجهة لمجتمع الأطفال تنوعت في مستواها الفكري والجمالي جاءت من تونس وسوريا ومصر والعراق، اضافة لعقد جلسات نقدية لتقييم وتحليل العروض المسرحية بأقلام نقدية مشهود لها بالكفاءة والخبرة واقامة الورش الفنية التخصصية لمسرح الطفل وتقنياته في صناعة الدمى الماريونيت الخشبية وصناعة دمى القفاز ودمى الطاولة والدمى الورقية والتمثيل الصامت للأطفال وورشة 
الكتابة المسرحية الموجهة إليهم، تمَّ ذلك من خلال ذوات تخصصية عربية ومحلية لها باع طويل في الاشتغال بمسرح الطفل بوصف 
هذه النشاطات نشاطات موازية لعروض المهرجان فضلا عن توقيع كتاب (جنيات الكتب) وهو نتاج ورشة الألف كاتب مسرحي للطفل التي كان نتاجها مسابقة كبيرة 
أفرزت نصوصا مسرحية عشرة فازت بالمسابقة الرسمية، وبعيدا عمن فاز او لم يفز او يحضَ بالتقييم والجوائز من العروض المسرحية المشاركة في المهرجان كان الكل بمثابة فائزين والفائز الأكبر هي مدينة كربلاء المقدّسة التي جمعت فنانين من مشارب وملل شتى بوصفها مدينة كوزمبولوتية عالمية جمعت تلك القداسة والرفعة بالمعرفة والإبداع.