ثامر الهيمص
أن يكون هناك عجز دوري في الميزانية العامة، فهذا أمر مألوف في جميع الدول المتقدمة منها والنامية، ولكن الفارق فيه نوعي، إذ الأولى، غالبا ما يكون العجز ليس لدفع رواتب وامتيازات، بل لسد ثغرات استثنائية او تعزيزا لاستثمار مضمون، بينما الثانية يتراكم عجزها ليصبح عوقا لأنه غطى أولا جدول الرواتب والامتيازات (الأعلى من القانون) التي لم يشرع لها قانون أو عرف.
وبما أنها أمر واقع وبروح عملية ينبغي الالتفات لمعالجة غير المألوف في دوائر حكومية منتجة لموارد ومصروفاتها من الميزانية العامة، فمثلا شرطة المرور بغراماتها وضرائبها، تستوفي رسوما باسم صيانة الطرق، تقدر بـ 500 مليار دينار وحاجة الطرق والجسور 200 مليار دينار، وهكذا دواوين الأوقاف. فالوقف حسب الشرع يعرف (هو حبس العين والتصدق بمنفعتها)، ما يعني أن هناك موارد للدواوين الثلاث فهل تدفع منافعها لهيئة الرعاية الاجتماعية او رواتب للعاملين عليها تخفيفا عن الموازنة التشغلية المليئة بالاستثناءات ومن دون قانون يغطيها. علما أن مخصص دواوين الأوقاف في الموازنة تجاوز مخصصات الزراعة والصناعة.
ثم ألا تستطيع دوائر المنافذ الحدودية والضرائب أن تمول نفسها من وارداتها البالغة 5 ترليونات دينار ضرائب ورسوما، وترليون من أرباح الشركات العامة، و4 ترليونات دينار ايرادات تحويلية في العام 2021 .
من ذلك يستنتج أن الإيرادات غير النفطية حققت 50% من من تقديراتها، وذلك بسبب التهرّب وضعف الجهاز الضريبي، كما أن 70% مما يسمى بالسوق الرمادية متهرّبة من دفع الضريبة، وإن بإمكان وزارة المالية أن تستوفي من المنافذ الحدودية نسبة 12% فقط من المقدر بموجب إجازة الاستيراد والتحويل من مزاد العملة .
عملية التمويل الذاتي في مؤسسة الضريبة ستكون ليست مجرد عملية إدارية حسابية، وإن هيمنتها عبر مركزية او لا مركزية لم تحقق أهدافا تنموية، اتسمت بكثرة حق النقض المعطل الذي يتقاطع سواء في الإقليم أو باقي الحدود.
أليس من المناسب أن يحسم أمر دوائر وهيئات والدواوين، بأن تصبح لها صناديق سيادية تفعّل استثماريا بعد دفع رواتب منتسبيها ولوازم مستحقات التشغيل، أو تمول الدوائر ذات العلاقة مثلا رواتب الرعاية الاجتماعية من قبل الأوقاف، وتدفع دوائر المرور ما تحتاجه الطرق والجسور لا سيما بعد كثرة الحوادث نظرا لتقادمها وكونها من دون تأثيث وتستوفي عنها ضريبة، ليتكامل عملهما بانسيابية، ولكي لا يكون عدد ضحايا حوادث الطرق أكثر مما قتل الإرهاب للعام 2021، وهكذا الأمر لمخرجات باقي الدوائر
المنتجة.