ما معنى أن تكون ناقدًا فنيًّا؟

ثقافة 2022/04/13
...

 خضير الزيدي
 
 لطالما كنت أطرح هذا التساؤل على بعض الأصدقاء الذين أثق بقدرتهم المعرفيَّة، وكم هم بحاجة إلى وضع معايير تخص النقد الفني، وربما يسحبنا التساؤل إلى الفن التشكيلي، وقد عرفت أنّ الغالب منهم يرون في النقد الفني مصاحبا لدراسة العمل الفني (اللوحة أو النحت). طبعا لهم مبرراتهم لكن الحقيقة أنَّ مهمة النقد الفني لا تنحصر في دراسة الفنون البصريَّة، إنّما هناك مجالات مهمة كالرقص والمسرح والسينما والتلفزيون والفن الفوتوغرافي والفن الرقمي وغيرها، حتى الفنون الشعبيَّة يمكن أن تحتاج الى رؤية ناقد مختص يعي تماما ما تذهب اليه الأشكال الملوَّنة من البسط وكيفيَّة معالجتها فنيّا وجماليّا. 
من الضروري حينما ننعت مثقفًا بأنَّه ناقد فني عليه أن يلمَّ بتفاصيل الكثير من تلك الفنون، آليّات الاشتغال، طريقة التكوين الجمالي، الأسس الأوليَّة لفهم العمل، معالجاته البصريَّة، أضف الى كل ذلك حمولاته الدلالية والجمالية. 
الساحة الفنيّة فيها نقاد فن، لكن علينا الاعتراف أنّهم قليلون، لا يمكن أن ترى اليوم ناقدا سينمائيّا بإمكانه أن يتحدث معك عن تاريخ الفن الفوتوغرافي العراقي، ومن هم مؤسسوه؟، أيضا ينطبق القول على الناقد الفني المختص بالغناء التراثي، لا تجد لديه مساحة من فهم العمل الفني ضمن التراث الشعبي وتاريخ هذا الفن ومتى بدأ في العراق، او المنطقة العربية؟، كيف نحافظ عليه؟ ما السبل لتعزيز مكانته الجمالية ونحن نواجه صدمة الحضارة الغربية وتقنيات العلم الحديث؟. 
أليس على الناقد أن يلمَّ بتفاصيل جميع الفنون ليكون ناقدا فنيا ملتزما يمكن ان نأخذ بآرائه وبتصوراته وقراءاته؟، قد يُطرح تساؤل عن مغزى جمع كل ذلك في صفة ناقد ولماذا لا نحصر النقد بأبوابه وأجناسه؟، كأن نقول ناقدا مسرحيا وهو اختصاص (الدكتور الفلاني) وناقدا تشكيليا وهو اختصاص (الأكاديمي الفلاني). 
ثمة مقاربات بين الفنون تحتاج إلى مزاوجة من نوع معرفي ورؤية تحليليَّة يمكن أن تعطينا فهما للمشاركة الجماليَّة التي يقع فيها الفن السينمائي مع التصميم وبناء الديكور، والأمر ينطبق على العمل التلفزيوني في الدراما والنقد السينمائي، وهكذا مع مفاصل فنون وأجناس تلتقي في مشتركات تخص الإخراج والتمثيل وأداء الممثل سواء كان تلفزيونيا او سينمائيا او مسرحيا. 
الاختصاص يعجز عن الإيفاء بدور يعطي تصورا عن قيمة الفنون أو أن يوفر للمتلقي قدرة في تأمّل مغزى المشتركات الجمالية والتعبيرية لأكثر من فن ممكن أن يشتركا في أساس معين يقوم على تصور ذهني وبنائي.
مهمة الناقد الفني هنا الجمع بين كل ذلك، هل نجد من يمثل هذه الشخصية في وقتنا الراهن؟، لا أتصور هنالك ناقد يجمع كل تلك المعلومات التي تفي بالغرض وهو يتناول مساحة كبيرة من شرح آليّات النصوص جميعها، ولكن في الأخير، كيف لنا أن نضفي صفة ناقد فني على من يمارس دراسة الفن التشكيلي وحده. 
قراءة العمل (لوحة او نحت) بمنهج انطباعي او سيميائي او بمنهج آخر لا يلزمنا أن نعطيه الحق أن يكون ناقدا فنيا طالما يفتقد لقراءة العمل الفوتوغرافي مثلا طالما لا يعي تاريخ الفن الفوتوغرافي؟، ومن هم مؤسسوه؟ كيف نشأ هذا الفن؟ ما آليّات التصوير القديم وما مسمياتها؟، وبمن تأثر رواده؟. 
إذن لنعترف أنّ النقد الفني في العراق مثلا قدم إلينا من الأدباء وليس من المختصين وربما نقرأ فقرا معرفيّا ولغويّا وحتى أسلوبيّا ممن نجده أستاذا أكاديميا مختصا بالفن التشكيلي، لهذا من يطلع على النقد التشكيلي يجده مركّبا من بهرجة لغويّة وتلاعب بلاغي وهو نقد انطباعي يفتقر الى معرفة كيف يمكن أن تكون اللوحة قبل رسمها وكيف بدت لنا في نهايتها؟، طبعا أسهم الفقر المعرفي لدى الغالب من الفنانين بظهور هذه الظاهرة، فنجد فنانين محترفين متمكنين من أدائهم البنائي والتعبيري والجمالي لروح العمل الفني لكن لا يملكون أية مقومات لتحليل الأعمال الفنية الأخرى من باب القراءة النقديّة، يعلمون تاريخ الفن لمساحة ضيقة لكن ليس بوسعهم الالمام بتاريخ الفنون المعاصرة والقديمة، وما الأسباب التي دفعت برواد او فنانين لاتخاذ قرار تبني فكرة (الجماعة الفنية) على سبيل المثال؟. 
إذن نحن بحاجة الى فهم ما يحدث، وكيف نفكر أن نجد ناقدا يأخذ على عاتقه الاهتمام بالفنون جميعها، أن تكون ناقدا فنيا عليك أن تعي كيفيَّة طريقة عمل اللوحة وكيف يلتقط الفوتوغرافي صورته؟ كيف تكون زواياه؟ وأي فضاء إخراجي يجابهه المخرج في مساحة العرض المسرحي؟، عليك أن تعي تماما، ما معنى الفن؟ ولماذا هو قائم بيننا؟، من يدفع به الى الانهيار؟ ولماذا تقام المزايدات على أعمال مرت عليها عشرات السنوات لتصرف لها أموال هائلة؟. حتى تكون ناقدا فنيا لا بد لك أن تعرف تاريخ السينما في بلادك، لماذا متأخرة في العراق ومتقدمة في مصر؟، وحتى تعرف قيمة النقد الفني لا بد أن تسأل نفسك لماذا الدراما التاريخية في سورية نهضت بشكل حقيقي بينما ماتت سريريا في العراق؟.