ألميدا غاريت شاعر الرومانسية البرتغالي

ثقافة 2022/04/13
...

  فيصل رشدي
ألميدا غاريت
 في القرن التاسع عشر ظهر أحد أكبر الأدباء البرتغاليين، الذي ترك أثرا واضحا في  الحركة الأدبية البرتغالية عموما بإبداعاته التي فاقت كل تصور، في مجال الشعر، والرواية، والمسرح. على الرغم من أن اسمه لمع في مجال الشعر بالخصوص، إنه الشاعر البرتغالي الكبير Joao Baptista da Silva Leitao الذي أطلق عليه الملك البرتغالي بيير الخامس، لقبا نبيلا، وهو: الفيكونت ألميدا غاريت vicomte de Almeida Garrett،  الذي نعرف به في هذا المقال.
ولد هذا الشاعر،  عام 1799 في مدينة بوتو شمال البرتغال، وفيها عاش طفولته، وتدرج تلميذا في كل المراحل الدراسية إلى أن وصل الجامعة، التي  درس فيها الحقوق  بجامعة كويمبرا، وتخرج  في العام 1821، كما تقول أغلب المصادر البرتغالية.
هذا الشاعر البرتغالي  تأثر بالاتجاه الرومانسي في أوروبا خاصة إنجلترا وفرنسا، فحاز فضل إدخال الرومانسية إلى الأدب البرتغالي، بل وأكثر من ذلك، فإنه يعد أول شاعر جمع النصوص الشعرية الشعبية البرتغالية في ديوانه "رومانسيرو" الذي صدر في ثلاثة أجزاء نشرت  بين 1828 و1851، وهو المؤسس الفعلي للمسرح الوطني البرتغالي أيضا بإنشائه المعهد العالي للفنون المسرحية.
 انشغل بالسياسة والصحافة، ودعا إلى الحرية الفكرية، ودافع بشدة عن مبادئ الثورة التحررية البرتغالية، فكلفه ذلك النفي بعيدا عن وطنه. ثم انخرط في الجيش البرتغالي عام 1832، وعاد إلى بلاده، وحظي بالتقدير وأعيد إليه الاعتبار، وتولى مناصب سياسية ودبلوماسية وطنية، كما انتخب عضوا في البرلمان البرتغالي واشتهر بمداخلاته المهمة. خلف عددا من الأعمال الأدبية، ما بين الشعر والمسرح والرواية والمقالة الصحفية، إلا أن عمله السردي "أسفار في بلدي" يصنف ضمن الخمسين عملا، التي تكتسب صفة تمثيل الأدب البرتغالي.
 
شاعريته
خلال منفاه تعرف على فنون من الأدب العالمي، وانفتح على الثقافة الأوروبية، فتفتقت موهبته الشاعرية التي أنضجها، بجمالية الأسلوب وبلاغة العبارات وجزالة الألفاظ، والرومانسية من المواضيع التي نجدها في قصائده.
 أبدع في سنوات شبابه المبكرة، وكانت قصائده تحظى بالقبول ويستقبلها القراء والنقاد بترحاب كبير. فقصيدة "صورة فينوس" كانت من بواكير إبداعه، رسخته كشاعر برتغالي متميز، وفي عام 1823 نظم قصيدة طويلة استوحاها من حياة الشاعر البرتغالي الشهير لويش دي كامويش، ففاق بها التصورات، حتى عدت فاتحة الحركة الإبداعية في البرتغال. وكانت إعلانا عن خطه الإبداعي الشعري.
 
لا أحبك
 وتعد قصيدته "لا أحبك" من روائع الشعر البرتغالي، تكلم فيها الشاعر عن الحب كأسمى تعبير، عن الذات، كما تكلم عن التجاذب بين الحب واللاحب. 
يقول ألميدا غاريت:
" لا أحبك... لا أحبك؛ 
فإني أريدك
الحب من الروح يأتي
 وفي روحي سكون
  كالقبر
 وهذا ليس مقامك
 لا أحبك؛ 
فإني أريدك 
الحب حياة... 
وحياتي بلا روح
مدفونة بين جوانحي" 
يعبر  ألميدا عن الإحساس بالرغبة في الحب وتركه، لكن الحب يبقى ببقاء من نحب، وهنا يتناقض الشاعر مع نفسه حينما يقول: "لا أحبك وأريدك"، وكأنه مضطر إلى ترك من يحب بطريقة هو لم يخترها لنفسه. إنه الحب عاصفة تحل بالقلب، فيدرك القلب أنه بحاجة ماسة إلى الحب، لأن الحب هو راحة للإنسان، يرى في الطرف الآخر )المحبوبة ( صورته التي تترجم مشاعره. 
 
القارب الجميل
 ولغاريت قصائد أخرى كثيرة، تصنف ضمن عيون الأدب الرومانسي منها  قصيدته التي يتحدث فيها عن البحر، الذي يشكل الركن الأساس، إذ نجد المعجم الرومانسي أيضا حاضرا بقوة من خلال البحر، الذي ألهم غاريت، فكتب قصيدة "القارب الجميل" ليعبر عن الحياة والأمل والحب والتضحية، والصبر، والمكابدة،  وكل ما يبحث عنه الإنسان.
ترسم قصيدة "القارب الجميل"  معالم  البحر لدى البرتغاليين، وتبرز أهميته لديهم، إنها تعبر عنهم وعن البحر الذي هو جزء من هويتهم العالمية، لطالما ذكره البرتغاليون، في أمجادهم، وفي الاستكشافات الجغرافية إبان القرنين الخامس عشر والسادس عشر، فالبحر هو عنوان البرتغاليين لدى الشعوب الأخرى، حتى لقبوا بأسياد البحر. 
 بالرجوع إلى قصيدة القارب الجميل، فإن  السفينة  في القصيدة هي علامة على تعلق البرتغاليين بتاريخهم العريق والمجيد، حيث جابوا العالم شرقا وغربا، وأكدوا للعالم أنهم أسياده.
يقول ألميدا غاريت:
"صياد في قارب جميل
 راح يصطاد
 رام الحبال
 صياد! 
آخر نجمة في السماء
 بين الغيوم تنير
 تناول الشراع
 أيها الصياد! 
انتبه إلى شراعك! 
حورية تغني حنانيك يا صياد! 
لم تحط بها شبكة ويسقط المجداف
 لم يرها أحد
 سواك صياد... 
وقارب جميل لقد حان وقت الفرار
 أنج بنفسك
 أيها الصياد!!!" 
إن قارئ القصيدة  تتجلى له العديد من الأشياء التي تعبر عن الإنسان، والمخاطر التي يواجهها في حياته، الحياة وصفها ألميدا في القصيدة بالمخاطرة، والصياد يقاوم من أجل أن يبقى حيا، إنها صورة تعبر عن الإنسان في معركته ضد الحياة، فالحياة أيضا عاصفة، فعلى المرء أن يواجهها كما يواجه الصياد البحر.
ترك الأديب ألميدا غاريت عدة مؤلفات بين الشعر والمسرح،  من أهم مؤلفاته ذات الصيت العالمي كتابان مهمان: "كامويش" و "دونا البيضاء"  نشرا بين عامي 1825 و 1826 وأيضا مسرحية بعنوان  "فاري لويش دي سوازا" نشرت عام 1844.
ودع الشاعر والكاتب والأديب الرومانسي الكبير ألميدا غاريت الحياة عام  1854 في مدينة لشبونة. بعد حياة حافلة وعطاء ثري. 
*باحث  ومترجم  من المغرب