أرباب النخل الذي رَمَته الأحجار الرقميّة

آراء 2022/04/13
...

 زين العابدين المرشدي 
لقد عانت المدن من الاحتلال، ومن التهجير، هذا في السالف القريب، حيث لا يبعد عنا سوى بضع قفزات بين سنة وأخرى مجاورة 
 
لكن في هذا العصر الميديويّ، تختلف المعاناة؛ فهي ابنةُ أزمنتِها ومتّخذة شكلها في الغالب، ولذا، ثمةَ معاناةٌ رقميّة، تُصنع من وراء جدار، نسمّيه دائمًا بالكيبورد. 
أن تُعابَ المدنُ في مساوئ تنتشر فيها، فهذا حاصل ومعهود، ولنتجاوزِ الحاصلَ والمعهودَ، ولنقلْ: إعابتها أمر مقبول؛ فبعد الإعابة هذه، قد لا يكون الهدفُ جعلَ المدن تحيد عن هذه المساوئ، لكن على الأقل، نجعلها تفكّر بالأمر. 
لكن أن تُعاب مدينةٌ ما، وتُهان، ويتم التنمّر عليها، وتشاهد أن جوهر التنمّر قائم على كرمها الوفير، وأصالتها، وبدائيتها في العيش، التي سببتها حكومات متعاطيةٌ للخطأ الذي أدمنت عليه، فهذا يقع في ما لا يُفهم، ويتطلب منا إعادة تدريس البديهيات والفطرة، لكنّ هذا، بالضبط، هو ما حدث مع السماوة، المحافظة التي لا ذنب لها سوى بساطتها، وبدائيتها، وأهلِها أرباب النخلِ، وحرّاسِهِ المساكين. 
للمدنِ هوياتُها، بها تعرّف، وبها تتشكّلُ ذواتُ أبنائها، ومن المدن هذه: السماوة، التي أخذت من الجنوبيين بكاءهم، ومن الفراتيين عذوبتهم؛ فصارت الخليطَ، وحلقةَ الوصل بين الاثنين. منذ فترة ليست بالقليلة، تعاني هذا المحافظة من حملات تنمّر، من نكات سمجة، تُحاك حول أبنائها، تنشرها هنا وهناك، صفحات مموّلة مشبوهة في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى صار الأمر مريبًا، وبدأ السؤال عن دوافع هذه الحملات، وذهبتِ الآراء في وديان مختلفة، وها نحن في الوديان تلك، ننتظر الآراء أن تعود سائقةً 
السبب.  
العجيب أنَّ هذه المدينة حالها حال المدن الأخرى؛ لكن هذه المدينة كانت كبشَ الفداءِ النحيلَ لسكين التنمّر، الذي صار يُخجِل أبناءها كثيرًا، ليتساءل الأبناء، كما تساءل عمُّهم سعدي يوسف من قبل: "أهو ذنبك أنك يومًا ولدت بتلك البلاد".
لكنّ نخَل السماوة، مازال يلوّح من بعيد، تلويحاتِهِ الكثيرةَ، لكنّ أربابه من السِماويين فهموا تلويحة واحدة، أخبرونا، من خلالها: أنّه ما زال بخير، مدللَ الثمرةِ والأفئدة. 
أقول هذا، وأنا حزين، يا من تقرأ الآن، حزين على أرباب النخل الذي رمَته الأحجار الرقميَّة.