معركة الدونباس ستكون مختلفة عن هجوم كييف

قضايا عربية ودولية 2022/04/14
...

 جاك واتلنغ
  ترجمة:  الصباح 
 
طغت مشاهد المأساة التي كشف عنها تحت أنقاض مدينتي بوتشا وبوروديانكا على مشاعر الابتهاج لنجاح كييف في صد القوات الروسية التي انفقت شهراً كاملاً في محاولة تطويق العاصمة وابتلاع الأمة الأوكرانية، رغم هذا تؤشر هزيمة القوات الروسية في الشمال نقطة تحول في مسار الحرب. فأوكرانيا قد نجت على المدى المتوسط، ولكن جنودها لن ينعموا بمتنفس مريح لأن موسكو، بعد أن حيل بينها وبين هدفها، عادت لتحول نظرها إلى الدونباس التي تنتظر هجوماً رئيسياً وشيكاً.
تعيش الدونباس حالة حرب منذ ثماني سنوات، وفي العام 2021 قتل أكثر من 90 جندياً أوكرانياً دفاعاً عن خط التماس. منذ شهر شباط بدأت المواقع الأوكرانية تتعرض للقصف المدفعي بانتظام في حين يتم تحشيد المدنيين من منطقتي دونتسك ولوهانسك الواقعتين تحت الاحتلال الروسي للقيام بهجمات على الخنادق الأوكرانية، والهدف من هذا النشاط يتمثل بتثبيت نحو 40 ألف جندي أوكراني داخل منطقة عمليات القوات المشتركة في مواقعهم ومنعهم من التأثير على مسار المعارك في ماريوبول أو خاركيف أو كييف.
من المقدّر لمنطقة عمليات القوات المشتركة أن تصبح خلال الأيام المقبلة في بؤرة الاهتمام الروسي. فبعد الاستيلاء على الممر البري من روستوف إلى خيرسون تستعد القوات الروسية للاندفاع شمالاً لقطع خطوط الامداد إلى دونتسك. ومن أجل إكمال عملية التطويق يجري إعداد وحدات روسية إضافية، بعضها مشكل حديثاً والبعض الآخر أعيد تموضعه، من اجل التقدم جنوباً والالتفاف حول لوهانسك من خاركيف.
هذه المعركة ستكون مختلفة كل الاختلاف عن عمليات التقدم صوب كييف، لأن الوحدات الروسية في بداية الحرب لم تكن مهيأة ولا مجهزة لخوض معارك قاسية. أما الآن فقد قدّر الروس طبيعة العدو الذي يواجههم، ومع وجود محورين فقط سيكونون قادرين على تركيز إمداداتهم. دفاعات الجو الروسية تتمتع ايضاً بتغطية جيدة فوق منطقة الدونباس ومن المرجح أن تتمكن من تسليط قوة جوية مؤثرة. عندما يجتمع ذلك كله مع ميزة التفوق المدفعي، وحقيقة أن القتال هذه المرة سيكون في المناطق المفتوحة بدلاً من المراكز المدنية، سيجد الجنود الأوكرانيون أن عليهم المناورة كي يتمكنوا من البقاء والمواصلة.
في الوقت ذاته يواجه الروس هنا تحدياً خطيراً، لأن القوات الأوكرانية المتمركزة في منطقة عمليات القوات المشتركة تضم بعضاً من أفضل الوحدات احترافاً وأمضاها حافزاً في أوكرانيا. سيتمتع الروس بميزة التفوق الناري ولكنهم سيقاتلون بتكافؤ عددي متقارب، وإذا كانت خطتهم هي تطويق منطقة عمليات القوات المشتركة فسوف يترتب عليهم الدفاع عن الطوق من جانبيه، ورغم أن الجنود الروس سيكونون أفضل أهبة هذه المرة فإن مسألة الروح المعنوية ستبقى مشكلة في العديد من الوحدات الروسية.
بعد أن زج الرئيس “فلاديمير بوتين” بمعظم قواته سيترتب عليه الآن أن ينجز اهدافه قبل حلول “مسيرة يوم النصر” في 9 أيار، بخلاف ذلك سوف يواجه تراجعاً ثابتاً في القدرة القتالية الروسية بسبب الانهاك. هذا قد يدفع الروس الى استخدام عدد من أشد أنظمة أسلحتهم دماراً، لكن اذا ما فشل بوتين فسيجد نفسه مخيراً بين البحث عن مخرج أو الانتقال بروسيا إلى وضع الحرب واستدعاء قوات الاحتياط. لو حدث هذا فسيكون معناه التخلي عن وهم أن حرب أوكرانيا مجرد “عملية خاصة”.
الشهر المقبل سيكون باهظ التكاليف على الأوكرانيين، ولكنه قد يكون حاسماً كذلك. فإذا ما نجحت روسيا في السيطرة على الدونباس سيكون بوسعها أخذ موقف أشد صلابة والتوقف لحين استدعاء قوات الاحتياط ثم شن هجوم خلال موسم الصيف. أما اذا فشلت في تحقيق أهدافها فإن العديد من الوحدات الروسية ستجد نفسها في وضع تقدم وانكشاف أمام العدو وبالتالي التعرض لخطر الاستنزاف المستمر مثلما حدث للقوات التي انسحبت مؤخراً من كييف. أما بالنسبة للجيش الأوكراني فإن أولويات المعركة في الدونباس ستكون مختلفة قليلاً عما تطلبه الدفاع عن المدن. الامدادات المستمرة من الصواريخ المضادة للدبابات وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة سوف تبقى أشياء لا تقدر بثمن، ولكن القوة ستتطلب ايضاً ما يسمى “الذخائر الكامنة” لاستهداف أنظمة الدفاع الجوي والمدفعية الروسية، الأمر الذي سيتيح للطائرات المروحية الأوكرانية إعادة تجهيز الوحدات المعزولة. هذه الوحدات ستكون بحاجة الى إمكانيات التحرك تحت الحماية لنقل الجنود بأمان إلى مواقع دفاعية جديدة، كما ستكون بحاجة إلى كميات كبيرة من ذخائر المدفعية.
بالنسبة لحلفاء أوكرانيا كان التجاذب مستمراً ما بين توفير مساعدات عسكرية تصلح للاستعمال الفوري من أجل درء خطر الاندحار، والتجهيز بأنظمة تتطلب بذل جهد للتدرب عليها أولاً. في الدونباس يرجح أن تكون معدلات الخسارة في المعدات أعلى مما كانت عليه في المرحلة الأولى من الصراع، وإذا ما ارادت اوكرانيا ان تكون مستعدة لمعارك ما بعد الدونباس فإنها بحاجة إلى إعادة تشكيل بعض وحداتها. لذا سيكون “الآن” هو الوقت المناسب للبدء بتجهيز أوكرانيا واعدادها على المدى الأبعد من أجل استعادة المبادرة.
 
عن صحيفة الغارديان