صناعة الخدمات

اقتصادية 2022/04/16
...

 ثامر الهيمص
 
ينقسم الموقف من قطاع الخدمات الى ثلاثة اقسام بأبعاد نظرية وانسانية وعملية، فالخدمة العامة في الطب، بجناحيه العلاجي والوقائي ، وفي التعليم والتربية، مثلا، تتم عادة من قبل الدولة، عندما تعتمد مبدأ الخدمة وليس الربح، اما القسم الثاني وهو تعويم الخدمة العامة، كما في الدول الليبرالية، كالولايات المتحدة، والقسم الثالث تجسده المجموعة الاسكندنافية وأغلب الدول الأوروبية من خلال ديمقراطيتها الاجتماعية. 
لا ينكر، أن هنالك تقدما في المستشفيات الأهلية بأجهزتها وكوادرها، لتأتي كاستثمار يحدده العرض والطلب، بعد تحييد القطاع العام الصحي بجناحية الوقائي والعلاجي، وهذا كان مألوفا قبل 2003 ، ولكن الهيمنة الآن للقطاع الخاص، بجوانبه العلمية والخدمية، مع كلف استثنائية قياسا لمجانية حكومية، ومع ذلك يزدهر الطب الأهلي مواكبا العلاج بالخارج، وكذا الحال في التربية والتعليم كقطاع خدمي، اذ التوسع في التعليم بات يصعب السيطرة عليه الى أن خرج الى التزوير كظاهرة يجري التكتم عليها، سواء من الخارج او من الداخل.
فالطلب متزايد، حيث يتم تسليع الخدمتين في جميع الأنشطة، الى أن بلغت الأمية 40%، وهنا المفارقة، وثاني المفارقات في التعليم أن معدل الدخول لكلية التمريض 97% للقبول في الكلية الحكومية مقابل 57% في نظيرتها الاهلية، ناهيك عن مستوى المختبرات والتعيينات التي تتم في ادارة الجامعة او الكلية الاهلية، حيث انها تتحول لملكية اقطاعية وفق مقاييس تقليدية تتقاطع مع القانون المطبق في النموذج الرسمي.
ترى اين وزارة التخطيط والوزارة القطاعية من هذه الاشكالات المتفاقمة، ومخرجاتها بأي مقاييس تتعاطى، فقطاعا الصناعة والزراعة، اللذان يفترض أن يستقبلا الخريجين، ونحن نسمع بأن الأوائل ينظر بطلبات توظيفهم، وصولا الى مختلف التخصصات، التي بات أغلبها لا تتعدى غير شهادة لاعتبارات اجتماعية، لأن الاقتصاد الحقيقي عقيم، ومؤسساته تتعثر عمدا او سهوا، كما نلمس مثلا ان شركة الصناعات الكهربائية لها بذمة الدوائر الحكومية 300 مليار دينار عن بيع منتجاتها، وهذا عائق أساس في تطور هذه الصناعة لتستوعب بعضا من مخرجات التعليم او التربية.
لا شكَّ أننا في عالم يشهد تضارب المصالح، فمثلا مجمع بسماية متوقف منذ ثلاث سنوات ويحتاج أربعة مليارات دولار لاكماله- حسب تصريح هيئة الاستثمار- في الوقت الذي تتسابق فيه البنايات والأبراج في العلو.
ولكي تمتص الحكومة مخرجات التعليم، نرى ان مصانع الحكومة مشلولة في الديوانية مثلا، وبالوقت نفسه بلغت نسبة الفقر فيها 51 %، والأسباب معروفة أكثر عند ذوي العلاقة ليحصل انسداد بصناعة الخدمات وغيرها.
إنَّ تسليع وتعويم الخدمة، بات مهيمنا كمبدأ، بدون بدائل حقيقية تواكبه او تكمله، رغم تفاقم ما يسمى بالاقتصاد الموازي والتعليم الموازي، الذي لم يجدِ في ظل تفاوت طبقي كبير، فأوكل امره للجهات الدولية والمنظمات الانسانية، ويتصاعد بوتائر تفاقمية.  
إنَّ الامل بالمراجعة التامة وبخطط مبادئها الاساسية، يتحقق بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ليحد بذلك من حالة التعويم والتسليع في الخدمات الحكومية العامة.