ثقافة الحكومة

ثقافة 2022/04/17
...

نزار عبد الستار
 
ليس على الحكومة مسايرة العادات الشعبية للناس وإنما واجبها الارتقاء بثقافتها كي تصبح ممثلة للعراق وحضارته. دول كبرى وعظيمة التاريخ لا تملك في حكوماتها وزارة للثقافة ومن يضطلع بهذه المهمة هي الخارجية. عندما ظهر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في أزمة أوكرانيا بملابس بسيطة وبذقن نابت احتج الجميع والسبب أنَّ الرئيس خالف ثقافة الاليزيه.
ما فائدة أن يحضر رئيس الوزراء بنفسه عزاء الشاعر حسب الشيخ جعفر بينما الدولة تجاهلت هذا الرجل طوال حياته. لن تغفر تغريدات النعي في تويتر الخلل الكبير في ثقافة الدولة العراقية التي لا تدرك أصلا قيمة الوعي النهضوي العراقي قديما وحديثا. 
إنَّ جعل وزير الثقافة متحدثا رسميا باسم الحكومة لا يعني أنَّ رئاسة الوزراء مثقفة بما يكفي لإدراك أهمية العراق في ثقافة العالم. إنَّ التنقل من مجلس عزاء إلى آخر لا يجعل الحكومة محبوبة ولا الدولة أبويَّة. من مساوئ الحياة هنا أنَّ هويتنا تعرفها الشعوب الأخرى التي تحفظ لنا دورنا في الثقافة والتعليم والتقدم بينما دولتنا بلا هوية ولا تملك حتى مصغرات لمسلّة حمورابي كي تعطيها كسوفنير للضيوف الأجانب، وترى أن دور وزارة الثقافة يكمن في صرف رواتب ملاكها الوظيفي وجعل بيوتهم مفتوحة.
ما فائدة الرئاسات الثلاث إذا لم تستخرج لنا هوية ثقافية نمشي بها شرط أن تكون بلا سمك مسكوف ودولمة. لقد عانى العراق منذ قرون من الحروب والمآسي ومسألة الثقافة لا تتعلّق بشاعر او روائي او فنان وإنما بسلميَّة الدولة وإعادة تأهيل الشعب وخلق ثقافة التعايش التي منها يبدأ الازدهار وبها تدور عجلة التنمية.
المشكلة الأكبر لقضيَّة الهويَّة أنَّ الدولة العراقية ليس فيها تحديث للمفاهيم ولا ترتبط بالزمن الأرضي الحالي وكل مفاصلنا يشوبها التكلّس فلا واجهة نحتمي بها، ولا مطار محترم ولا مركز مدينة نجمع فيه ذكرياتنا ولا معلم نفخر به وحتى الآثار التي نسترجعها الآن من السراق لا نعرف أين نضعها وكيف نعرضها للعالم.
الهويَّة الثقافيَّة هي دستور حياة وهي التي ستجعلنا أمة جديدة، أما الإبقاء على سياسة مجالس العزاء والتغريد كلّما مرّت ذكرى لمأساةٍ ما، فهذا لن يبني دولة ولن يجعلنا على خارطة العالم.