بيلي كولنز: الشعرُ كائنٌ يمكن التعويلُ عليه

ثقافة 2022/04/17
...

 ترجمة: محمد تركي النصار 
شغل بيلي كولنز منصب شاعر الولايات المتحدة الأمريكيَّة من العام 2001 حتى 2003 وهي الفترة التي أنشأ فيها برنامج شعر 180 لنشر الشعر الحديث بين طلبة الإعداديَّة.
كتب كولنز أكثر من خمسة عشر ديواناً شعرياً، كان الأخير فيها (مطر في البرتغال).. أجرى موقع (بوث) حواراً معه تحدث فيه عن أسلافه الشعراء، تأثير الموسيقى، المجاز، وأمورٍ أخرى يمسُّ بعضها جانباً مع القضايا السياسيَّة.
انطوني بوروسو: ذات مرة قلت بأنك عندما كنت شاباً تأثرت بفكرة أنَّ الشاعر يجب أنْ يمتلك روحاً تعيسة معذبة كيف تغير هذا ونقلت الشعر الى أجواءٍ مختلفة تتميز بالخفة والمرح؟
كولنز: لم يكن هذا شيئاً أدركته لوحدي فمثل معظم المعلومات التي نحوز عليها عن الشعر تعلمت ذلك من شعراء، كنت أدمن قراءتهم وقتها مثل فيليب لاركن، دكي، جيمس رايت: جيمس جدي بشكلٍ لا يوصف، لكن ثمة ومضات من المرح، دكي لديه قصيدة عنوانها (سقوط) وهي تعتمد على قصة حقيقيَّة عن مضيفة تسقط من طائرة وتموت حيث يتخيل الشاعر المضيفة بحالة وعي عندما تسقط على الأرض واصفاً تنورتها مثل جناح الخفاش مطلقاً عليها لقب (أعظم شيء شهدته نبراسكا).
لدينا أيضاً مدرسة نيويورك: جون اشبري، كينيث كوخ، وفرانك أوهارا وقد كنت أقرأ لهم الكثير عندما كنت في الثلاثينيات من عمري ويتميزون جميعاً باستخدامهم للمرح في قصائدهم وكل من هؤلاء الشعراء لديه توازنه الخاص بين الخفة والجديَّة حيث يتميز كورتج باستخدام أعلى للخفة بينما دكي يميل الى الجديَّة أكثر لكنهم جميعاً قريبون للمرح أكثر من الشعراء السابقين عليهم.
انطوني بوروسو: أراك قريباً أكثر لمدرسة نيويورك هل يمكن القول بأنَّ هذا هو الأسلوب الذي تتبناه؟
كولنز: نعم الى حدٍ ما مع إقراري بأنَّ لا أحد من الشعراء يتمنى أنْ يصنفَ ضمن مدرسة ما وليس معنى هذا أنهم يجتمعون لتشكيل مدرسة.
بوروسو: أعتقد أَّن هذا ينطوي على نوعٍ من الاختزاليَّة
كولنز: نعم، فأنت لا ترغب بأنْ تكون ضمن تصنيفٍ محددٍ وقد كتب ديفد ليهمان كتاباً عنوانه (الطليعة الأخيرة) عن شعراء نيويورك وحاول في البدء استبعاد مصطلح المدرسة لكنه أوضح لاحقاً القواسم المشتركة: المفارقة، الأصالة التي تميز نبرة شعراء نيويورك العامَّة فمع شاعر مثل اشبري ينتابنا الإحساس بأننا دائماً عل حافة الضحك ولا شيء يكون جدياً إلا عن طريق الخطأ أو بشكلٍ غير متوقع.
بوروسو: عندما تقوم بقراءة شعرك نحس أنَّ هناك تركيزاً قوياً على ضبط التوقيتات فأنت تبدو عارفاً كم عليك أنْ تبقى في البيت المرح أو الصورة المؤثرة هل تعلمت هذه المهارة بالفطرة أم أنَّها من صناعة الوعي؟
كولنز: أعتقد أنها هبة من الله
بوروسو: عندما تكتب عن الموسيقى تتحول الآلات الموسيقيَّة الى حيوانات أحياناً، فالبيانو مثلاً يصبح كائناً سعيداً بابتسامته المشرقة والساكسافون معلق عل رقبة الموسيقي مثل سمكة ذهبيَّة فهذه المخلوقات 
تنبثق فيها حياة من داخلها لتغدو مستقلة عن الشخص الذي يعزف عليها هل لهذا علاقة بتجربة كتابة الشعر؟
كولنز: نعم، بطريقة ما، لكنَّ الأمر مرتبطٌ بالمجاز ومحاولة خلق نوعٍ من الطزاجة...عندما تقرأ شعر الماضي تجد أحياناً مكاناً لنفسك في ذلك العمل الذي تقرأه حتى عندما تكون روح المفارقة قويَّة فنحن نأخذ الموضوعات من الشعراء الأقدم منا: الحب، الموت ، بشكلٍ جدي، لكن لا يمكننا أنْ نستخدم اللغة نفسها مثل السونيتا الشكسبيريَّة وأحد أسباب القراءة هو لاكتشاف أي نوعٍ من المجازات استخدمت والنقاط التي لها صلة، كذلك هناك مجازات ركيكة فبعض النقاط غير مترابطة.
بوروسو: هذا يذكرني بمقطع لريفردي: كلما كانت العلاقة بين الحقائق غير متوقعة وحقيقيَّة في الوقت ذاته تكون الصورة أقوى وطاقتها الوجدانيَّة أعلى لذلك يجب أنْ يكون المجاز مدهشاً وحقيقياً ومناسباً أيضاً.
كولنز: نعم صحيح، وربما هذا هو ما يحدث مع الساكسافون والسمكة الذهبيَّة
بوروسو: ما أريد قوله هنا إنَّ المجاز قد يسيطر أحياناً على الكاتب الى حدٍ معينٍ كأنَّ القصيدة تحاول أنْ تخبرك: أنا من أحدد المعنى أنا أريد هذا.
كولنز: بإمكانك أنْ تستخدم مجازاً فتستخدم واحداً وإذا أعجبك تستمر بقيَّة القصيدة أو الجزء الجيد منها، مستفيدة من هذا المجاز وتعمل أجزاءً مختلفة فتكون ما يطلق عليه النقاد الاستعارة الموسعة وتجد هذا عند ميلتون والكسندر بوب ووردزورث الذين يشتغلون على استعارة واحدة بأبياتٍ متعددة وما تقوله صحيح فقد تجد قصيدة تكتب نفسها مكتفية بما تريد هي أنْ تستمتع به أو بحالة معينة أو مفهوم يسيطر عليها أنها تنقلت من الوصاية وتهرب من القصد الأصلي.
بوروسو: لقد كتبت قصائد عديدة تستخدم فيها ثيمة التعبير عن العمل الشعري كفكرة مركزيَّة هل تعتقد بأنَّ فكرة العثور على الاستعارة الصحيحة أو المناسبة وتوسيعها هو ما يقف خلف كتابتك لعدة قصائد تعبر عن هذه الفكرة وعن هذا الاكتشاف ووضعه على الورقة؟
كولنز: أعتقد ذلك وهذا له علاقة بوعيي الشخصي المتعلق بكوني شاعراً وأنا لا أكثر من الكلمات القاموسيَّة الصاخبة التي عادة ما يربطها الناس بالشعر وأحاول دائماً أنْ أخففَ هذا الجانب في قصائدي.
بوروسو: هناك غيابٌ كبيرٌ في قصائدك لماذا تكتب عن الغائب أكثر من الشاخص أمامك؟
كولنز: أحاول أنْ أشجعَ طلبتي على الكتابة عن الأشياء التي هي أمامهم لكنْ في الوقت ذاته عندما يكون ذلك هو المكان الوحيد الذي بإمكاننا الذهاب إليه يمكن أنْ نلتقط صورة فوتوغرافيَّة والخيال يبدأ بالاشتغال من هناك ثم يتحرك الى مكانٍ فيه ردّ فعلٍ خيالي.
بوروسو: كيف تقيم دور الشعر بخصوص اللحظات التاريخيَّة الصادمة والتراجيديَّة التي تفوق الوصف أحياناً؟
كولنز: أتفق مع الرأي الذي يقول بأنَّ الشعر يبادر لأخذ الزمام عندما يتخلى النثر عن هذا الدور... جزءٌ من الروايات التجريبيَّة فيها محددات وقيود يكون الشاعر متحرراً منها وهنا تبدأ المهمة فنحن ربما نتوجه الى القصائد في أوقات الأزمات والقلق والشك لأنها تتضمن إحساساً مريحاً بالأمان والاستقرار والقصائد التي عادة ما يلجأ إليها الناس فيها استقرار يتحقق بالوزن والقافية وهذان المستويان من الاستقرار جعلا الشعر شيئاً بإمكانك الاتكاء عليه.. إنَّه كائنٌ يمكن التعويل عليه وهو بعكس النثر الذي يمكن أنْ يستمرَّ ويستمر الى ما لا نهاية.. قد تحتاج مثلاً الى قراءة أربعين صفحة لامرسون قبل تجد مقطعاً مفيداً ومناسباً يمكنك أنْ تستفيدَ منه في عرس أو مأتم لكنَّ القصيدة موجودة دائماً عارية على الصفحة بانتظارك.