قصَّةٌ لَمْ تَنْتَهِ

ثقافة 2022/04/17
...

  حمزة عليوي
 
مازلت أفكّر بكتاب عن قصص محمد خضير. ومازلت أرجح العنوان الذي فكّرت به قبل عقد ويزيد: محمد خضير ومشكلات القصّة القصيرة في العراق. ولا يشغلني الآن التباعد، لنقل الاختلاف بين التفكرين، بالقصص أولا، ثم بمحمد خضير؛ إذ ليس هناك كاتب عراقي، وربما عربي أيضا، قد ارتبط اسمه بالقصّة القصيرة، كما لو أنهما شيء واحد؛ فأن نقول القصص، وأن نقول محمد خضير؛ الأمر سيّان. وفي كل مرة استعيد رغبتي بإنجاز هذا الكتاب، أجدني أفكّر بثلاث قضايا رئيسة. 
تتصل الأولى بما يمكن تسميته بالإخلاص للقصّة القصيرة. سيُقال أن "خضير" قد ألَّف الكتب السرديَّة الموسَّعة، مما قد يُصنّفها بعضهم على أنَّها "روايات"، كما هو حال "بصرياثا" و"أحلام باصورا". بل إن القاص نفسه نشر "رواية" بعنوان "كرَّاسة كانون". 
ولا بأس؛ فهذا مما يحدث دائما من دون أن يؤدي إلى صرف الكاتب عما هو أصيل وجوهري في "سرديتــه"، وهو القصة القصيرة بجملها المقتضبة وفضاءاتها المتداخلة القريبة من بعض كما لو أنها جولة في "درابين" مدننا الصغيرة. لماذا القصة القصيرة من دون الرواية أو حتى "النوفيلا"؟ أزعم أنَّ الهوس النقدي – المعرفي بأجروميات نظريات السرد، قد شغلنا عن البحث في ما هو جوهري في أدبنا؛ على سبيل المثال، لماذا ينجح محمد خضير بكتابة قصّة عراقية قصيرة، ولاحقا سيرة عراقية بمواصفات فنية عالية؛ في حين لا يتحقق هذا النجاح في حقول "أدبية - سردية" مجاورة!، لماذا القصّة القصيرة من دون سواها؟ أفكّر أنَّ "نجاح" محمد خضير بكتابة قصّة عراقية يذكِّر بنجاح عراقي سابق تحقَّق في "القصّة القصيرة" أيضا مطلع خمسينيات القرن الماضي على يدي التكرلي وعبد الملك نوري. وبتصوّري أنَّه من الأجدى لنا أن نبحث بسبب أو أسباب النجاح في "اتجاه"، وسبب أو أسباب التعثّر في "اتجاه" آخر، من دون أن يعني هذا الكلام حكما نهائيا ضد "الرواية" وكتابها. في النهاية، تفضح القصّة القصيرة الفشل وتكشفه لنا، في حين تداري الرواية على عثرات كتابها. 
القضية الثانية تلامس ما أسماه نقَّاد وكتَّاب عراقيون خسائر السارد في قصّة محمد خضير القصيرة. 
ولا أرى أنَّ هذا القول يشكِّل تهمة أو "مسبّة" يقتضي دفعها بعيدا. نعم، هناك "خسائر" جسيمة كان على السارد أن يتكبَّدها وهو يخترع عوالمه السردية؛ إذ إنَّ هناك خسائر المكان، خسائر اللغة، خسائر البلاد. في النهاية، قصّة الأستاذ محمد خضير عن هذه الخسائر. أخشى القول إنه عن بلاد لم يعد لديها ما تخسره. 
القضية الثالثة وتتعلّق بأثر محمد خضير بالسرد العراقي والعربي. وهو أثر كبير ومتواصل. نتحدث عن قصّة عربية قصيرة يتابع فيها كتّابها أثر محمد خضير في كتابة القصّة. لن نذكر أسماء "عربية"، إنما سأشير لأثره في تشييد نصوص مكانية أصيلة. نتحدث هنا عن متن عراقي عربي، هو مما يُسمّى بـ"اقتفاء الأثر".