ثمــانينيــَّة مـــحمَّــد خــضـــيـر .. كاتب صيفيّ

ثقافة 2022/04/17
...

 عبد الستار جبر
 
  كتب بيكيت في دراسة له عن الروائي الفرنسي الشهير بروست قائلا: "الأسلوب لدى بروست هو مسألة رؤية أكثر مما هو تقنية". وكأنه يتحدث، أيضاً، عن محمد خضير. عن هذه السمة البارزة التي تهيمن على قصصه، وهي ليست رؤية حسية خالصة تحيل على أشياء خارجية فقط، بل رؤية ذهنية تتطابق فيها الكلمات مع الأشياء، مع صورها. فمحمد خضير نفسه يقول: "في الظلام تبدأ الذاكرة بعرض الصور، وتبدأ الكلمات بالظهور والتكوّن. ألمس الكلمات أمدُّ يدي". فها هي الكلمة عنده تتطابق مع الصورة وتتحول الى أيقونة يستطيع أن يمسكها بيديه على الرغم من أنه في الظلام إلا أنها تضيء له وترشده الى الطريق اليها.
  إنَّها رؤية ذهنية تنتج لغة بصرية، تثمر عن متخيلات جمالية مفعمة بالمدركات الحسية والعقلية، كما نجدها في عوالمه السردية المميزة في: "المملكة السوداء"، و"في 45 درجة مئوي"، و"رؤيا خريف"، و"حدائق الوجوه"، و"بصرياثا"، و"كراسة كانون".
  وهي رؤية أو بالأحرى قصص لم تنبثق من ظلام المكان وعمق الذاكرة بل من دفء الواقع أو بالأحرى سخونته الطقسيَّة، ومن سخونة التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. من سخونة الجنوب والبصرة، وهو يكتب قصصه تحت 45 درجة مئوي، والتي يعدها درجة الحرارة المثالية لتأليف الكتب لديه لأنّها درجة حرارة غرفته الكائنة على السطح، كما يقول. وكأنَّه يشيع جوّاً من الدفء لنتلقى قصصه الساخنة. وهو، بذلك، كاتب صيفي بامتياز، وقصصه هن بنات الصيف البصري. ولذا حين تقرؤه تتلمس دفء الكلمات والصور والأمكنة والفضاءات والوجوه، وهي تتشكل وفقا لرؤاه الذهنية التي تنتج لغة بصرية متجسّدة. ومن المفارقة او التورية أن تتطابق لغته البصرية مع مدينته الأم البصرة، في خصوصية تشكيل عوالم السرد الواقعية والمتخيلة، في ما تمنحه البصرة من حاضرٍ او ماضٍ يمزجان الواقع بالتاريخ والذاكرة والخيال في ذهن قاص بارع، يحوّل لغته من كلمات الى أشياء، إذ تتشكّل الكلمات أمامه، فيمدُّ يديه ليلمسها. وهذا الحضور القريب والالتصاق الحميمي للغة في ذاته يُبيّن لنا لماذا يخلو أسلوبه، ومن ثم قصصه من التكلّف والحشو او الاصطدام بصعوبة التعبير ووعورة البناء. إنَّه باختصار (محمد خضير).