البنزين والنفط الأسود

اقتصادية 2022/04/19
...

  محمد شريف أبو ميسم 
 
على الرغم ما قيل بشأن أزمة البنزين، بوصفها أزمة ناجمة عن اضراب وكأنه معد مسبقا من قبل أصحاب محطات تعبئة الوقود الخاصة، جراء إيقاف الدعم المقدم لهذه المحطات في اطار ما سمي بايقاف تعويض الضائعات في كميات البنزين المستلمة بحسب ما رشح من خلاصات بهذا الصدد.
إلا أن قرار رفع أسعار النفط الأسود المباع لأصحاب شركات ومصانع القطاع الخاص من قبل وزارة النفط بالتزامن مع هذه الأزمة، شكل علامة بارزة ومنعطف حادا في مجريات اعادة النظر بأسعار الخدمات، التي تقدمها الدولة على وفق شروط الاصلاح الاقتصادي التي وضعتها الجهات الدائنة، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي. لتكون ضجة ارتفاع أسعار المحروقات عالميا جراء الحرب في أوكرانيا مدعاة لترتيب الأوراق في سياق خطوات الدعم الحكومي، والتعجيل في مجريات آليات جديدة تؤسس لتطبيقات شروط الاصلاح الاقتصادي، التي أوصت بها الجهات الدائنة وآخرها ما ورد بموجب المديونية الخارجية التي أجازها قانون الاقتراض المحلي والخارجي رقم 5 لسنة 2020 لتمويل العجز المالي.
وهنا كان لا بد من النظر في معطيات ما أفرزته الأزمات العالمية الأخيرة، ابتداء بالكساد الناجم عن الاغلاق في عديد من الدول بسبب جائحة كورونا، وانتهاء بما أفرزته أزمة الحرب الأوكرانية من ارتفاعات حادة في عموم السلع العالمية، والتي انسحبت تأثيراتها في الأسواق المحلية جراء تمويل 85 بالمئة من الطلب المحلي على السلع الغذائية والتحويلية والتصنيعية والمواد الخام عبر الاستيراد، ما شكل عبئاً مباغتا على الفئات الهشة والمحدودة الدخل من جانب. ومؤشرا خطرا جديدا يستهدف الطاقات الانتاجية المحلية، بعد أن تعرض القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني الى تداعيات خطيرة جراء ارتفاع أعلاف الدواجن البياضة، بفعل ارتفاع أسعار العليقة المستورة مقارنة بأسعار البيض المستورد من دول الجوار التي تشهد انخفاضات كبيرة في عملاتها المحلية، ما جعل المنتجات الزراعية المستوردة أرخص بكثير من مثيلاتها المحلية، وبالتالي تعرض مشاريع انتاج الدواجن البياضة الى التعطيل بالمجمل. 
ليكون قرار رفع أسعار النفط الأسود القشة الجديدة التي ستقصم ظهر المنتج المحلي في القطاع الصناعي هذه المرة، الأمر الذي ينذر بتوقف العمل في عديد من المعامل وتسريح العمال وزيادة نسبة البطالة جراء ارتفاع كلفة الوحدة المنتجة مقارنة بمثيلتها المستوردة من دول الجوار ، خصوصا أن بعض هذه الدول وبموجب اتفاقيات ثنائية لها الحق في تسويق 375 سلعة لأسواقنا المحلية دون تعريفة جمركية.