جذور الفساد في العراق

آراء 2022/04/19
...

  كاظم الحسن 
 
في سنوات الحصار القاسية، لم نكن نتوقّع أن تنحسر العزلة الدوليَّة، إلّا بعد الإطاحة بنظام صدام، بإرادة خارجيَّة، وتمَّ تهريب المزيد من الأموال عن طريق حاشية وجلاوزة النظام، إلّا أنّ الأموال المنهوبة، لم يتم استردادها وبقي المال العراقي مستباحا، لنعيش جولة أخرى مع لصوص ومافيات الفساد ما بعد 2003، إذ اختلط الحابل بالنابل. 
وهذه الأيام نسمع عن أموال مودعة باسم سياسيين عراقيين في مصارف لبنان تربو قيمتها على خمسة مليارات وتتصاعد التخمينات مع عدم وجود معلومات أو معطيات تقترن بالشفافية والصدق وتتزامن مع إعلان مصرف لبنان عن إفلاسه، من دون أن نسمع أي تحرك حكومي، لاستعادة أموال الدولة المنهوبة لا سيما أنَّ العلاقات بين لبنان والعراق في أحسن حالاتها، سواء عن طريق الهبات النفطية العراقية لهذا البلد المنكوب أو مقايضة النفط بالسلع اللبنانية ذات الجودة المحدودة.                                    
وشكلت الحرب الطائفية، فرصة لسرّاق المال العام، إذ اختلط المقدَّس بالمدنّس وأصبحت السرقة طبيعيَّة ولم تعد جريمة، لا على مستوى الدولة ولا على المستوى الاجتماعي، وهنا تكمن الخطورة، هذه الحالة المدمّرة للدولة والمجتمع لم تكن وليدة فترة التغيير، بل كانت لها جذور راسخة، في عهد البعث، إذ جرى النهب والسلب العلني في دولة الكويت من قبل النظام البعثي نفسه في غزوه لها في العام 1991، وقد برر الطاغية ذلك، في حديث صحفي مع الدكتور محمد المسفر قائلا: (إن الأموال والممتلكات الكويتية في الحفظ والصون، وكنا نريد حمايتها من 
الحاقدين؟). 
رئيس دولة يشجع على السرقة، من دون شعور بالخجل وفي كل حروبه العبثية، كان هناك السلب والنهب وحدث ذلك في المحمّرة بعد غزو إيران، وكذلك في كردستان، وبعد انهيار الدولة العراقية؟، بل إنَّ ابتزازه لدول الخليج بعد نهاية الحرب الايرانية العراقية يصب في ذلك .
أما الحصار المدمّر فقد كانت له آثار اقتصادية وأخلاقية مدمّرة على المجتمع العراقي، انعكست كثيرا، على القيم والتقاليد وتماسك النسيج العراقي وأصابته بالكثير من الرضوض والتصدّعات. 
وبعد سقوط نظام البعث تم تناهب ممتلكات الدولة، على أوسع نطاق، هذا ليس تبريرا للفساد وللسرقات، فيما بعد التغيير، لكنه ما حدث وأسس لتربية وقيم مشوّهة، بحيث انعدم الحياء والنزاهة بشكل فظيع، حتى المخاطبات اليوميَّة بين الأفراد أصبحت مبتذلة وتعبر عن الانحطاط الذي أصاب المجتمع، بل أنَّ مصطلحات سوقيَّة غدت هي الرائجة والسائدة مثل (قفاص، علاس، لاحوك، بوري، 56، بايع ومخلص، وحش الطاوة، بوخة وغيرها)، بحيث أنَّ الطبقة المتوسطة التي كانت تقود المجتمع، تراجعت الى الوراء وحلت مكانها الطبقة الرثَّة والأميَّة.