د. حامد رحيم
كالعادة، وبالنظر لهشاشة الوضع العام في العراق، عجت مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية بالتحليلات والتوقعات على إثر اعلان دولة لبنان افلاسها، وصار القياس على وضعنا باعتبار هناك تقارب كبير على مستوى الوضع السياسي بين البلدين فظهرت المخاوف من تكرار ذات السيناريو في العراق. والسؤال هنا هل من الممكن تكرار ذلك فعلا؟ ام للقصة وجوه اخرى؟ وقبل هذا وذاك هل هناك دولة تفلس؟
طرح للاعلام مفهوم الإفلاس على أنه "عدم قدرة الدولة على الايفاء بالالتزامات المالية الملقاة على عاتقها من ديون خارجية وداخلية وخدماتهما" ولو دققنا في المفهوم لوجدناه يختلف في اثره الفعلي عن الافلاس بالنسبة للأفراد او الشركات الخاصة، فالأخيرة ممكن ان تتكبد جراء افلاسها خسارة لاصولها الاخرى عبر استيلاء الجهات الدائنة عليها وفق الضمانات القانونية، بينما الدولة لا يمكن وضع اليد على أصولها وإن أفلست مما يعني ان ما حصل في لبنان ودول قبلها كالأرجنتين وغيرها هو (تعثر وشح سيولة) اكثر من ما هو افلاس بالمعنى الدارج في عمل الافراد والشركات الخاصة، وبشكل عام هناك فرق بين العراق ولبنان صنعه البترول، والذي يمتلك العراق احتياطيات، مؤكدة منه تصل الى 145 مليار برميل ونحن البلد الخامس عالميا، ومن المتوقع وبشكل اكيد ان ترتفع تلك الاحتياطيات وفقا لنسبة المحتمل من احتياطي النفط.
للنفط علاقة باستدامة التدفقات المالية الى العراق ومن ثم احتمالية الافلاس وفق النموذج اللبناني بعيدة نسبيا عنا، فقد خدمتنا قاعدة (العرض الامن للبترول) والتي تعني حرص الدول المستهلكة للنفط والتي هي ذاتها المتحكمة بالنظام الدولي، على استدامة مستوى عرض نفطي يغطي الطلب العالمي من النفط، وهي ستراتيجية واضحة يمكن ملاحظة بوادرها بعد الحرب العالمية الثانية وانتهاء عصر الاحتلال المباشر للدول وما تضمنه من حرص الدول الصناعية الكبرى في حينها على ضمان امداد للموارد الاولية لتغطية حاجاتها الداخلية من الطاقة وغيرها، لتستبدل كل ذلك بمنظومة شركات عابرة تستثمر في البقاع النفطية لتضمن ذات الهدف، وهي مستمرة إلى الآن بالدفاع عن امداد نفطي آمن، وما الضغوط الامريكية على (اوبك) لرفع الانتاج لمواجهة ارتفاع الاسعار الا دليل على ذلك، وقبله فكرة انشاء الخزانات العملاقة في الولايات المتحدة على اثر استخدام العرب النفط (كسلاح في المعركة)، وكذلك الصين أنشأت ذات الخزانات وتستخدم لمعالجة جانب العرض للنفط والتأثير على اسعاره، وغير ذلك من المؤشرات على اهمية النفط والتي رسخت فكرة أن سوق هذه السلعة هو (احتكار قلة) اضافة الى مرونة الطلب السعرية المنخفضة جدا للنفط، لعدم وجود بدائل منافسة بشكل قوي له. وللجانب السياسي اثر في هذه المعادلة فالصراعات السياسية
لأقطاب النظام الدولي لها تأثير على امداد الطاقة، خصوصا الصراعات مع روسيا وايران وفنزويلا، ما يعزز أهمية المنتجين الآخرين في (اوبك) والعراق على رأسهم. إنَّ فرضية عدم تكرار السيناريو اللبناني في العراق لا يعني عدم وجود مخاطر عالية، بل ربما أن الإفلاس على الطريقة اللبنانية قد يكون اهون تجاه المخاطر الاخرى المحيطة بنا.