أفكارٌ في الحرب الأوكرانيَّة

آراء 2022/04/19
...

 محمد صالح صدقيان 
 
* آجلا أم عاجلا ستضع الحرب أوزارها في أوكرانيا. لكن لا أحد يعلم متی؟ وكيف؟ من المحتمل ان يتمرد الجيش الروسي علی قائده ويتراجع عن مواقعه، بذريعة أنه لا يعلم لماذا يقاتل خارج حدوده وتنتهي الحرب بانتصار أوكرانيا؛ وهذا فرض مستبعد. من المحتمل ايضا استقالة الرئيس بوتين بسبب الضغوط الداخلية والخارجية علی خلفية العقوبات والعزلة الدولية وتنتهي الحرب ايضا لصالح أوكرانيا؛ وهذا الاحتمال مستبعد ايضا. ومن المحتمل انهيار الجيش الأوكراني ومجيء قيادة عسكرية جديدة تنظر للتطورات بشيء من العقلانية والواقعية بعد الدمار، الذي لحق بالبنية العسكرية الاقتصادية والخدمية في البلاد؛ وهذا احتمال غير مستبعد. كما يوجد احتمال آخر وهو اللجوء للحوار والمفاوضات الجدية، التي تزيل القلق الروسي الذي من أجله بدأت الحرب، وصولا لاتفاقية تحدد العلاقة الثائية بين البلدين؛ وهذا احتمال ممكن جدا. اما احتمال قيام حرب بين روسيا وحلف شمال الاطلسي فهو احتمال مستبعد جدا لأسباب تعود للدول الأوروبية، التي ستستقبل مدنها صواريخ وقذائف من هنا وهناك لا تستيطع استيعابها.
* اي نتيجة تحصل في حرب أوكرانيا تنعكس علی التطورات الدولية؛ ومرحلة ما بعد أوكرانيا لن تكون كما قبلها لأنها ترتبط بقوتين عالميتين روسيا وأميركا، وتشترك مع أطر دولية كالاتحاد الاوربي وحلف الناتو، إضافة إلی أن عديد دول العالم معنية بهذه الحرب، إن في انعكاس آثارها الاقتصادية او الامنية او في اصطفافها السياسي علی خلفية العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا. هذه الحرب لم يخطط لها أن تكون لا رابح ولا خاسر. إنها تسير علی قاعدة "صراع الارادات".
* منذ أكثر من ثلاثة عقود والولايات المتحدة تفتح عينها علی المياه الدافئة الروسية، وتحديدا جمهوريات آسيا الوسطی التي تشكّل المجال الحيوي لروسيا. كانت روسيا تعمل كرجل إطفاء حرائق. لكن اوكرانيا عام 2022 تختلف عن اوكرانيا 2004. 
ولذلك أعطت روسيا العين الحمراء لإبعاد مجالها الحيوي في آسيا الوسطی عن صواريخ النيتو وتغيير قواعد اللعبة. إنها لعبة مكلفة لكن لم يكن لديها خيار آخر.
*  يخطأ من يعتقد أن الحرب الأوكرانية تشبه الی حد بعيد الحرب في افغانستان او العراق او لها مقاربة بالحادي عشر من سبتمبر او الحرب العراقية الايرانية. 
هذه الحرب جاءت بعد "جائحة كورونا"، التي ضربت المجتمع الدولي وأثّرت في اقتصادياته، ومن أراد لها أن تشتعل يتحمل عواقب أمورها. إنها فرضت عقوبات جدا صعبة علی دولة ثقيلة وهي روسيا؛ ولا يريد لها أن تنهض لتبقی محصورة في حدودها لا طعم لها ولا رائحة، بعد فرض ما استطاع من عقوبات لا يعلم احد بآلية رفعها.
* الولايات المتحدة تعمل علی صمود الرئيس الأوكراني زيلنسكي للوقوف حتی وإن كان بالعقاقير المنشطة ضد اي اتفاق محتمل مع روسيا. الولايات المتحدة ليست دولة بسيطة وعادة ما تحاول استغلال مثل هذه التطورات لتوظيفها بعدة اتجاهات تستهدف فيها عدة أهداف داخليا وخارجيا. 
من الطبيعي أن تستغلها للضغط علی روسيا لتقديم المزيد من التنازلات علی صعيد "النظام العالمي الجديد"؛ ومن الطبيعي جدا استغلالها كورقة في الانتخابات الأميركية النصفية المنعقدة في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، خصوصا أن مؤشرات شعبية الرئيس بايدن في انخفاض مستمر وهي غير مشجعة. 
* الرئيس الروسي بوتين قال إن الحرب الاوكرانية قضت علی "أحادية القطبية"، التي تتمتع بها الولايات المتحدة، وهي تشير الی اعادة خلق "ثنائية القطبية". هناك منظمات وقوی محلية صاعدة كالبريكس واتحاد جنوب شرق اسيا ومنظمة شنغهاي؛ هذه أقطاب نامية وواعدة وحالمة للمساهمة في النظام العالمي الجديد، وهي في أقل التقادير لا ترغب في "أحادية القطبية".
 هناك تساؤل هل نحن في "حرب عالمية ثالثة"؟. قبل الاجابة عن السؤال يجب أن نعّرف الحرب العالمية. هل تعني دخول جميع المجتمع الدولي بها؟ أقول نعم. لأن الاقتصاد العالمي علی المحك في الوقت الراهن؛ والكل قلق بشأن الأمن الغذائي ومعدلات التضخم وارتفاع الأسعار. هل أن الحرب العالمية تعني موجة كبيرة من النازحين والمهجرين والمتضررين؟ أقول نعم علی ضوء وصول المهجّرين الأوكرانيين الی أكثر من 5 ملايين شخص لدول تتأثر بهؤلاء النازحين وتحسب لهم حسابا بالقيراط. هل إنها تستخدم أسلحة متنوعة؟ أقول نعم. إنها حرب الألفية الثالثة. لم ينقصها سوی الأسلحة النووية التي يهدد بها هذا الطرف ويتخوف منها الآخر. هل تعني أنها ستعيد قواعد اللعبة والاشتباك في العالم؟ نعم ايضا فمؤشراتها تدل علی ذلك. طلب طرد روسيا من مجلس الامن الدولي وهو الإطار الذي أنشئ للنظر في الأمن والسلم العالميين. ومن يعلم ربما نحن علی اعتاب "نظام عالمي جديد" بلون وطعم ورائحة مختلفين عن السابق.
الاتحاد الأوروبي والناتو إطاران مزعجان للولايات المتحدة. الأول منذ تأسيسه والثاني بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. 
الأول دوفعت له بريطانيا لانهياره بعد انسحابها منه؛ والثاني طالب الرئيس الأميركي السابق ترامب الأوروبيين بتحمل نفقاته بالكامل. ما لم يتمكن الرئيس ترامب من تحقيقه سيكمله الرئيس بايدن.
 اقتصاديا؛ هيمن الدولار الأميركي علی الاقتصاد العالمي خلال العقود السبعة الماضية، حتی أن اليورو الذي قام علی أمجاد المارك الألماني والفرنك الفرنسي، لم يفلح الصمود أمامه. الآن فتحت روسيا باب "تصدع" هذه الهيمنة. لا أتوقع انهيار الدولار بهذه البساطة، لكنها فكرة يسيل لها لعاب عديد الدول المتضررة من هيمنة الدولار.
* وأخيرا هل نحن أمام متغير عالمي جديد. أنا أعتقد نعم؛ لكنه يعتمد علی التطورات. وعالمنا السياسي ليس مستقرا، وفيه العديد من الخيارات والقواعد والمصالح التي قد تشتبك مع بعضها وقد تتلاقح وفي أحيان أخری تتصالح.