كيف تجد كتاباً لا تتذكّر عنوانه أو نسيت اسم مؤلفه؟

ثقافة 2022/04/19
...

 بغداد: ابتهال بليبل
 
في المرّة الأولى التي دخلتُ فيها إلى مكتبة، كنت أحملُ معي قصاصات صغيرة منزوعة من كتاب ما، كتاب قرّر أحدهم تمزيق أوراقه لسببٍ مجهول وصادف أنّني وجدتها مرميّة قرب المحطة وأنا أنتظرُ حافلة نقل الركّاب، بدأتُ بقراءة سطورها بشغف وأنا أحاول أن أجد الترتيب المنطقي الذي يجمع شتاتها، لم أجد إشارة  لعنوان الكتاب أو اسم مؤلفه، فخطر ببالي أن أقارن بين ما لدي من سطور وبين محتوى الكتب الكثيرة المصفوفة على رفوف المكتبة، ولكن كانت تلك عملية عسيرة، حاول صاحب المكتبة مساعدتي على معرفة عنوان الكتاب أو اسم مؤلفه ولكن من دون جدوى.. !!
وهذا مأزق يعرفه كثير من عشاق الكتب.. وهو يجرّنا إلى ظواهر أكثر عمقا في آليات القراءة وعملية التنقيب عن كتاب ما قد تعرف توجهاته ولكنك تجهل عنوانه أو شكل غلافه، فتظلّ تبحث حتى تهتدي إلى ما تريد.. وهذه تجربة معرفيّة مهمة تدفعنا للتساؤل: كيف تجد كتاباً عندما لا تستطيع تذكّر العنوان أو اسم المؤلف؟ 
 
المنافذ الإلكترونية
هذا الأمر عند الشاعر عادل الصويري قد يختلف بين البحث المباشر عن الكتاب في المكتبات، والبحث الإلكتروني من خلال محركات الأنترنت فالحالة الثانية تبدو أسهل. 
 يفترض الصويري ذلك وهو يوضح كيف أنه الآن يبحث عن كتاب الثابت والمتحول لـ (أدونيس) وغاب عن باله العنوان أو تناساه، فكان يكفي أن يكتب أدونيس في محركات البحث في الأنترنت حتى تظهر له معلومات ويكيبيديا عن المؤلف، ثمّ يستعرض مؤلفاته، وحتماً سيتذكّر الكتاب بعد استعراض العنوانات. 
بينما يبدو الأمر صعباً كما يقول الصويري في حال كان البحث مباشراً في المكتبات، خصوصاً عندما تكون ثقافة صاحب المكتبة بسيطة، فهذا الشيء سيعقّد المهمة كثيراً. 
لذلك يرى الشاعر أن الإقبال على اقتناء الكتب من خلال المنافذ الإلكترونية أصبح رائجاً، ليس فقط لسهولة الأمر عبر محركات البحث، بل لوجود مواقع متخصّصة بالكتب سواء كانت العربية أم الأجنبية، فضلاً عن سهولة تحميل الكتاب.
يعتقد الصويري أن نسيان عنوان الكتاب يشكّل الحالة الأكثر حضورا في هذه الظاهرة من نسيان اسم المؤلف، فتحديد الأسماء المهمة والراسخة سهل، إذ إن الغالبية من المهتمين يعرفون اسم المؤلف بمجرّد الاطلاع على عنوان الكتاب.
ولا يتصور الشاعر أن قارئاً ما يمكن أن ينسب “البؤساء” لغير فيكتور هوغو، بينما قد ينسى العنوان، لكنه قد يجد ضالته لو بحث عن مؤلفات هوغو إلكترونياً، أو مع صاحب مكتبة مثقف ومطلّع.
 
منقبُ آثار
تستهوي فكرة عملياتُ البحث القاصة ميرفت الخزاعي، إذ تدفعها للشعور وكأنّها “منقبُ آثار” يحاول إيجاد كنزه المفقود أو يطمح للفوز بضالتهِ المنشودة. 
وهي تظن بأنها تبرعُ في ذلك، فحين تُعجب باقتباس ما أو نصّ أو مقطع موسيقي أو غنائي أو لوحة أو عمل فني تجهل كاتبه أو مؤلفه تسارعُ إلى البحث عن صاحبه -ربما للتعرّف عليه أكثر وتتبعِّ أعماله- فقد ساعدت أدوات التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في ذلك ويسّرت الأمر، على حدّ قولها.  
وتستعين الخزاعي أحياناً بالأصدقاء والمهتمين بالشأن الأدبي والثقافي من خلال عرض الاقتباس أو النص عليهم، وسؤالهم عن امكانية معرفتهم بصاحبه أو الكتاب الذي يتضمّنه النص أو فكرته. 
ولكنها في الآونة الأخيرة صارت تستعين بمحركات البحث الالكترونية وتكتب بضع كلمات من النصّ أو تحاول تتبع موضوعه أو ثيمته الرئيسة.
 
كل ما تقرؤه ينفعك
أما الشاعر والكاتب عصام كاظم جرّي فيرى القراءة ممارسة يتنامى فيها الوعي شيئاً بعد شيء، وتتفتّحُ معها آفاق المدارك العقلية والذهنية للإنسان، وبها تتنشّط الذاكرة والخلايا، ويستقيم اللسان والقول والفعل، وقد قالوا عنها الكثير ولعلّ أبلغ جملة قيلت بحق القراءة: “كل ما تقرؤه ينفعك”، ولكنها تختلف من قارئ لآخر، واختلافها هذا يبقى في حدود القارئ من حيث اختيار نوع الكتاب المقروء، والتفاوت في سرعة فهم وحفظ الأحداث بين القراء، والاهتمام الجاد بمشروع القراءة، وشدّة التركيز عليها والعناية بها وبحفظ الأسماء والأحداث والعنوانات الواردة في الكتب المقروءة. 
فمسألة نسيان عنوان هذا الكتاب أو نسيان اسم ذاك المؤلف بالنسبة لجري أمر قد يقع فعلاً. وأغلب الأحيان مع تقادم الزمن أو بالانصراف عن فعل القراءة المستمر، فضلاً عن القراءة السطحية العابرة لبعضهم. يرى جرّي أن الحوار مع الأصدقاء حول ما نقرأ من كتب أمر حيوي وضروري ومهم جداً، لأنّ عبر تلك الحوارات قد يتم ترسيخ فكرة الكتب، والأسماء والعنوانات في الأذهان، وهي الطريقة الأمثل لحمايتها من النسيان. كما أن تبادل الكتب بين القرّاء أمر في غاية الأهمية لتحفيز الذاكرة.  
وهناك طرق كثيرة للتنقيب عن الكتب التي وقعت فريسة النسيان عند جرّي، يعتقد أنّ منها الاستعانة بالأصدقاء القرّاء المقربين أصحاب المشروع الحقيقي في ممارسة فعل القراءة، أو بالعودة إلى المكتبة الصغيرة “المكتبة البيتية” ولعلّ الطريقة الأسهل والأكثر سرعة ودقّة من هذا وذاك، ما أسبغت به شبكة المعلومات الالكترونية من فيض كرمها في تهيئة المعلومة المجانية والسريعة للقارئ والباحث على حدّ سواء.
 
صورة نمطيَّة
ويرى الإعلامي والشاعر أسامة البدري أن من الغرائبيات التي تصاحب إنتاج الكتاب أو ولادته إن صحّ التعبير خصوصاً في ذهن المتلقي هو الغلاف أو وجه الكتاب الأنيق الذي يحاكي أذهان القرّاء محاولاً إغراءهم أو ابتزاز شهوة الإبحار داخل الكتاب داخلهم، لذلك قد يبقى في ذاكرتي شكل الغلاف إن فاتني عنوان الكتاب أو اسم كاتبه، ويمكن أحياناً أن يكون اسم دار النشر هو الوجهة التي يقصدها القارئ. 
البدري يعتقد أن هناك صورة نمطية عند كل قارئ عن دور النشر كأن تكون مثلاً (جميع اصدارات الدار الفلاني جميلة أو منتقاة أو تحمل هوية واحدة.. الخ) لذلك قد أستعين بغلاف الكتاب كدليل إن نسيت عنوانه أو اسم كاتبه.