مُقاربة وسائطيَّة للأدب العراقي المعاصر

ثقافة 2022/04/23
...

 د. بشار عليوي 
تكمن أهمية المقاربة النقدية الوسائطية (الميديولوجية) المقترحة للأدب العراقي المعاصر والذي تهتم هذهِ الدراسة بإبرازهِ وتأكيد ماهيتهِ، عبر سبر أغوار مكنونات النتاج الأدبي (شعراً/ سرداً) وفقاً لأبنيتهِ الجمالية القائمة على وجود (الوسائطية) بوصفها من أبرز تمظهرات عصرنا الحالي (عصر الوسائط/ عصر الصورة/ عصر الثقافة البصرية)، فالوسيط هو الأساس الذي قامَ عليهِ (علم الميديولوجيا) الذي أسسه الفيلسوف الفرنسي المعاصر (ريجيس دوبري) ضمن مشروع فكري وفلسفي متكامل معتبراً إياه العلم الاجتماعي للمستقبل وعلم القرن الواحد والعشرين بوصفهِ قرن الوسائط التكنو- ثقافية.
 عبرَ الاهتمام بدراسة وظيفة الوسيط في الفكر الإنساني المُعاصر ودورهِ المحوري في إعادة تشكيل تبديات هذا الفكر وفقاً لمُعطيات العصر الذي أصبحتْ فيهِ الثقافة البصرية هي الحاضرة إن اقتراحنا يتمحور حولَ ماهية المقاربة الوسائطيّة التي تأتي وفقاً لتمظهرات عصرنا الحالي (عصر الصورة - عصر الثقافة البصرية- عصر الوسائطيّة)، وهذا كُلّهُ وجدَ صدى واسعا لهُ في المشهد الأدبي المُعاصر.
فالناقد الأدبي مُطالب بأن يتعامل مع سياقات هذا المُقاربة بشكل مُختلف وجذري عما سبقهُ من مقاربات نقدية على صعيد الآليات المُتبعة والمُعطيات المُتوفرة والنتائج التي يتم التوصل إليها، لأنّ واحدةً من أهم الإشكاليات المُصاحبة للنقد الأدبي المُتداول هوَ عدم الاهتمام بجميع مُكونات النص ومراحل إعدادهِ وعدم تبيان أهمية ووظائف تلكَ المُكونات، لذا فإننا نرى بأن المقاربة النقدية الوسائطيّة ستعمل على إزالة تلكَ الإشكاليات، وتقديم قراءة جديدة قادرة على سبر أغوار النص الأدبي كَكُل وحدةً واحدة، فالناقد الذي يتبنى المقاربة الوسائطيّة للنص الأدبي، ينبغي أن يعرف بأن عملية فهم الأفكار الإنسانية المُتجسّدة في النص تَتُم عِبرَ المجال الوسائطي في النص، ونتاجهُ النقدي يختلف عن باقي النُقاد الآخرين الذين يتبنّون مقاربات فمرجعيّة الناقد الأدبي المعرفية ستتغير حينما تدخل الوسائطيّة ضمن تركيبتهِ الثقافية واليومية ومن ثم ستصبح لديهِ القُدرة على مقاربة النص الأدبي، فعلى الناقد الأدبي الذي يتبنى المقاربة النقدية الوسائطية للنص الأدبي، أن يعرف أن هذا النص ذو سمات واضحة يعكس تمظهرات العصر الحالي ويستجيب لحاجات أفراد المُجتمعات البشرية فيهِ.
لقد ظلّت ماهيّة الأدب العراقي المعاصر من منظور وسائطي، مهمةً لم يُشرع بعد فيها، وهذا ما تعكف عليهِ هذهِ الدراسة فمُقاربة الأدب العراقي وفقاً لهذا المنظور تقتضي الاهتمام بالوسائط التقنية والحاضنة المجتمعية التي جعلتْ وجود الأدب العراقي بجميع تمظهراته ممكناً خلال الفترة التاريخيّة الآنيّة ولعلَّ أبرز صورة من صور الوسائطيّة وأقربها هو وجود الأديب نفسه (الأديب الوسائطي) الذي يُمثل تجلياً من تجليات الثقافة العراقية، لذا فإنَّ الشروط المادية التي بها كان الأدب هي الشروط الاجتماعية التاريخية وما يلازمها من الشروط التقنية، ويُفسّر هذا التلازم بكون تقنيات النقل لا تنفصل أبداً عن مؤسسات النقل التي تستخدم تلك التقنيات وتوظفها على نحو من الحضور العياني للوسائط داخل النص الأدبي.
إنَّ هذه المُقاربة النقديّة الوسائطيّة المُقترحة تدعو إلى التخلي عن التحديدات النقدية والافتراضات المُسبقة عن النص الأدبي والتي ما فتئ يعتمدها غالبية النُقاد كلما تعاطوا مع النصوص الأدبية العراقية من قبيل (الفعل الزمني في رواية كذا..) أو ( شاعرية العنونة في مجموعة كذا ..) أو (مضامين السخرية في شعر...) هي افتراضات مُسبقة عن النص وتعريفات جاهزة له دون مُقاربتهِ بشكل فعلي وهو استقراء غير مُكتمل يقتصر فيه الناقد على شاهد أو شاهدين يرشحهما لحد النص الأدبي ويُقدر أنهما كافيان للإحاطة بهذا النص من جميع جوانبه، وهذا ما تحققه الوسائطية كمقاربة نقدية للأدب العراقي المعاصر، فهذهِ المُقاربة الوسائطية سُتجدد فهمنا لمُخرجات الأدب العراقي المعاصر بجميع أنواعه واتجاهاته تماهياً مع تمظهرات عصرنا الحالي، عبرَ دراسة الوسائط التي تُكوِّن أبنية النصوص الأدبية العراقية المُعاصرة، فضلاً عن التعامل مع جميع تبديات النص الأدبي بوصفها وسائط، بُغية إعادة فهم خطابها، وهذا ما تُركّز عليهِ وتقترحهُ هذهِ الدراسة.
يرتكز المشغل النقدي للمقاربة الوسائطية للأدب العراقي المعاصر وفقاً للمفاهيم التي يجب أن يضعها الناقد الوسائطي وهو يُقارب النصوص الأدبية، وبما يلي:
1.  لا يمكن اعتبار النص ذا محمولات أدبية من قبل كاتبهِ (شاعر/ روائي/ قاص) وإنما من قبل المتلقي والقارئ الذي يحكم على متن النص بكونه أدبياً أو غير أدبي انطلاقاً من المقاربة الوسائطية لهذا المتن.
2. يُمكن تأويل صعوبة تفسير الظاهرة الشعرية أو إنشائية النص بمعزل عن الكلام العادي بأن مفاهيم من قبيل الأدبية والشعرية والإنشائية هي مفاهيم جمالية وفنية ترتكز على حضور المقولات النصيّة بوصفها وسائط يُمكن مقاربتها نقدياً.
3. إنَّ المقاربة الوسائطية تفترض عدم قول شيء عن شيء كما جرت العادة مع بقية المقاربات المُجاورة أي لا يضحى النص أدبياً بخصائص ذاتيةً فيه، وإنما بتحديد الوسائط المُكونة لهُ وفقاً للمقاربة الوسائطية التي تتضمنه خصائص النص من أحكام أدبية.
4.  إنّ التوصيفات التي يوصف بها النص الأدبي لا تمثل شروطاً لازمة وكافية، بحيث إذا ما توفرت انقلب القول بأنَّ هذا نص أدبي وفقاً لتوصيفات السمات المشتركة بين النصوص الأدبية والتي من شأنها أن توجد الشرط اللازم والكافي للقول بأدبية هذا النص.
نعيّ تماماً أن الأدب العراقي المُعاصر هو نتاج منطقي للبيئة العراقية المُعاشة الآن، وهذا الأدب لم يعد يحفل بالمقاربات النقدية القديمة التي لم تعد تتماهى مع مُعطيات العصر، وإنما يُمكن مُقاربتهِ نقدياً بوسائط كتابية تعتمد الكتابة والكُتب التي تستثمر مُختلف تمظهرات الوسائطية. ختاماً، نقول إنَّ المقاربة الوسائطية للأدب العراقي المعاصر بوصفها مفتتحا لإعادة النظر بالنتاج النقدي العراقي هي مقاربة ليست مفاهيمية بالقدر الذي توفرهُ نظرياً، وإنّما ستكون مقاربة تبحث عن تجليات الوسائط داخل متن النص الأدبي وفقاً لتمظهرات العصر الحالي.