الجنة على شكلِ مكتبة

ثقافة 2022/04/23
...

 عصام كاظم جري 
 
لا شكَّ أنَّ الثّقافة العراقيّة تواجه تحديات كبيرة من الداخل والخارج، تحديات عاصفة ومتلاحقة؛ لذا بات المثقف اليوم يعيش حالة التّرقّب والتّوتر والاضطراب فقد وقع فريسة الجهل، وما زال يعاني من الأزمات المتعددة. والثقافة بوصفها إصلاحا يمكن لها أن تسهم بفك الاختناقات التي تصيب الإنسان بالمجمل، فهي غير عاجزة عن إجراءات الإصلاح، بمعنى أنَّ الثقافة حل لأزمة!، وفي أحد أصول الثقافة نبذ الشعارات العقيمة والسّاذجة والسّطحية التي تتنامى مع مفهوم العقل الأحادي والفردي والقمعي والتحكمي.. الخ. 
ويقول هرقليطس (لو خيّرتُ بين عرشِ فارس وفكرة جديدة، أقع عليها لاخترت الفكرة). إذ الثقافة معنية بالتجديد والتنامي من خلال: التّعارف والتّواصل والتّكافل والتّضامن مع مفهوم العلم والمعرفة على حد سواء.
ولا نغالي إذا قلنا: إنَّ الثقافة تعد لبنة مهمة في محاولة لسد حاجات الإنسان بالمجمل، والنهوض بها هو إشعال قنديل نير يسهم في توهّجها ودعهما نحو مكانتها الصحيحة، ومن ثم تكشف لنا ذلك الضوء وكلَّ أسرارهِ ومكنوناته وزواياه المعرفيّة والفكرية، وتكشف كلَّ رؤاه السّامية والنبيلة في إبراز القيم الجماليّة له، وفي إحدى توصيفات الثقافة هي حقيقة واقعة، بل إنَّ الذين لا يهملون أفكارهم هؤلاء يعشقون المعرفة والحريَّة أكثر من أي حقيقة واقعة. لهذا علينا إلّا نجعلَ من الغفلة تنسينا ثقافة المكتبة والكتاب، وبقية الأنساق الثقافيّة المضمرة والمهملة والمغيّبة بفعل فاعل. (إنَّ المثقفين هم الذين يمارسون في الدّرجة الاوّلى نشاطات فكرية فينشغلون بالبحث والإبداع والشرح والتّعلم والنشر والتّعبير وصياغة الرموز لغايات قصوى تشمل الفهم والمعرفة والوعي والتخطيط والعمل). وقد عُرف بأن المثقفين من دعاة التّغيير والإصلاح والمراجعة، لهذا لا بدَّ من إصلاح واقع المكتبة والعناية بها، ويكون إصلاحا واقعا وسريعا وشاملا لإعادة النظر الدقيق، والتطبيق الفاعل لهذه الأنساق الثقافيّة المضمرة والمهملة والمغيّبة.
إنَّ تكريس ثقافة إصلاح المكتبة أمرٌ في غاية الأهمية وهو بابٌ من أبواب المراجعة، وهذا هو الهدف الذي يتوخاه كل المثقف وقارئ من خلال الولوج في فضاء الأنساق الثقافية المضمرة والمهملة، إنَّ هناك الكثير من الأخطاء والإرباك الذي يفسد الفعل الثقافيّ منها هيمنة الثقافة الاجتماعيّة على مفهوم الثقافة، لذا علينا الالتفات إلى معالجة هذا الإرباك وهذه الأخطاء. ومن الظواهر الصّحية في خلق الفكرة وتعزيزها يجب العناية بالكتاب والمكتبة فإنهما أشبه بأدب الرحلات الثقافيّة والاستكشافيّة، رحلات لعوالم الكتب والكتّاب معا، إذ تعمل مثل هذه القراءات على تصعيد روح التّفاعل والحوار بين الأجيال وذهب الكاتب عباس محمود العقاد ليقول في هذا الشأن إنَّ (الكتب مثل الناس فيهم السيّد الوقور، وفيهم الكيس الظريف، وفيهم الجميل الرائع، وفيهم الساذج الصادق، وفيهم الأديب المخطئ والخائن والجاهل والوضيع والخليع) ولأننا في ظروف النهوض بالواقع الثقافيّ لا بدّ من الاهتمام بالمكتبة، بقاعاتها وواجهاتها ويافطاتها وبأروقتها التي يتجمعون فيها القراء، وهذا الاهتمام يؤدي حتما إلى العناية بنوعية المثقفين الذين يتناقشون في محتوياتها وعناوينها التي يقرؤونها. ولأهمية المكتبة، فقد اشتغل بعض المهتمين على فكرة تأسيس المكتبة المتنقلة وهي مكتبة توضع في عربة تتنقل من مكان لآخر لتغطية الأماكن التي لا تتوفر فيها مكتبات، ولم يغفل التّقدم التكنولوجيّ الذي شهده هذا العصر فكرة تأثيث مكتبة إلكترونيّة، والتي تعد من أعظم الإنجازات للبشرية، وبإمكان أي باحث الاستفادة منها متى ما أراد ذلك. وأخيراً يقول الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس في إحدى قصائده: (وأنا الذي تخيّلتُ دوْما الجنة على شكل مكتبة).