محاولات لتسويغ الخطأ

ثقافة 2022/04/25
...

  ياسين طه حافظ
ليس سهلا أن نلتقي بإنسان يقر هادئاً بخطئه أو بأخطاء من ينتمي لهم. ذكاؤه ومستواه العلمي والحضاري ينفيان جهله أو عدم إدراكه، فتبقى أخلاقيته.
لكنه بحكم هذا الانحياز التبعي قد يقول لك: "والمقابل فعل مثل ذلك أيضاً!" وهذا ليس عذراً قدر ما هو مشاركة في السيئات. وأما أن يقول لك: "هكذا" بلا مبالاة وهذه تعني انعدام المسؤولية الأخلاقية، هو يؤكد إصراره، وبسبب انعدام العذر وصعوبة الإقرار، ينحو إلى الوقاحة، وكأنه غير مسؤول عن الأعراف الإنسانية أو غير معني بها.
يحصل هذا عند حملة الأفكار والحزبيين وعند العشائريين وعند المذهبيين وعند المنتمين لهذه المدينة أو الدولة ضد ناس في تلك المدينة أو الدولة. قد تجد بعضاً منه في النقاشات الأدبية والفنية وتجده عند اللاعبين الرياضيين..
أظننا نقسو قليلاً حين نريد أن نرغم هكذا فرد على الإقرار، على أن يدين ما صدر منه أو من فريقه أو حزبه- هي حالة فيها محاصرة وفيها حرج، يضطر فيها المقابل للاعتزاز بالإثم.
من جانب ثانٍ لا أظن تعنّته وإصراره خوف التبعات، لكنني أظنه لا يريد تأكيد الخطأ عليه، فهو يشعر به، وهو أذكى من أن لايدرك الخطأ الفكري أو السلوكي أو الأخلاقي، وهو أيضاً مايزال قوياً ولا يريد أن يستسلم.
إنسانياً، لنا تقديرنا لذلك، ولكن أن تكون المسألة مسألة وقاحة واسترضاء انتفاعي لاحق، أو استهانة بالأخلاقيات الإنسانية، فهذا يجعلنا نرى ابتذالاً ورداءةً وافتقاد معنى.
ولكي ينجو هكذا شخص ولكي يبعد الإدانة عنه، يُخرج خصمه أو من اعتدى عليه أو أخطأ بحقه، يُخرجه من الإنسانية فيقول: هذا الكلب مثلاً أو هؤلاء الخنازير.
بهذا التوصيف يخرجهم من الإنسانية ليجد مسوغاً لتجاوزه عليه أو عليهم وحتى لقتلهم. هو أبعدهم عمن يشتركون معه في المنظومة الأخلاقية، وهو جعلهم من صنف لا علاقة له بالإنسانية أو البشرية فأبطل اللائمة. ولذلك في ردّه على المعترضين: هذا الحيوان أو أولئك المطايا، أو هذا أفعى وذلك شيطان. يخرجهم من المدى الإنساني وإخراجهم يوفر له سبباً وحجة وفيه إبطال  للوم. فهو لم يعتدِ على ولم يقتل إنساناً وإنما قتل حيواناً، سمه ما شئت!.
ثمة طريقة أخرى أكثر شراسة وتوحّشاً، إنّه لكي يتخلص من نفوذ أو من خطر أو من منافسة، يمحوها! يخفى عدوه من الوجود، لا بقتله حسب، والطرق لذلك القتل عديدة شتى، ولكن بمحو كل ما يتعلق به، بقتل أبنائه مثلاً أو حرق بيته أو بإزالة ذاك البيت، فلا وجود لمن يؤاخذونه عليه أو يدينونه به. بعد سنين يكون تلاشى كل شيء يذكِّر به. المدوّنات إن وجدت، ليست لها حياة في الشارع!.
تاريخ البشر القديم والحديث والقريب جداً منا مليء بما ندري وما لا ندري من هذه الأمثلة.
بعض الملوك وبعض الحكام محوا آثار خصومهم، آثار الرجال المغضوب عليهم، من الكتب، كتب التاريخ مثلاً، ومن المنحوتات والعملات، فضلاً عن إبادتهم وقد شملت الإبادة من يناصرونهم.
إذا كان لا بدَّ من مثل للإيضاح، فأذكّر بمثال قديم، لأسلم من ذكر 
جديد. أقول هذا ما فعله امنحوتب المصري الذي أمر كل من يحمل اسم آمون على تغيير اسمه، ومحا آثار آمون حيثما وجدت. أمثلة هذا الشر متعددة وفي كل الحقول. يعدد ناقد الروائيين البارزين ولا يذكر اسماً مهماً، يقول لك لم اقرأ له، أو لم اقرأه! وعبارة لم اقرأه أشد من الأولى، لأن فيها محو للمقابل ومن حضوره في حياة المتكلم! وهذا يحصل في كتابة تاريخ الأدب والمختارات ويحصل بسوء أكثر بين حملة الأفكار والإيديولوجيات. لم أسمع يوماً أحداً من هذا الحزب أشاد بما أنجزه ذاك أو بصواب وبعد نظره. ما نسمعه هؤلاء مجرمون أو أولئك مجرمون! ووصفهم بالمجرمين يعني أنهم يستحقون الإيذاء أو القتل، ولا لوم! فقد تم بهذه الصفة إخراجهم من الإنسانية المحترمة فلا لوم على إيذائهم ولا خطأ. هي عموماً ازدواجية أخلاقية، هو يقتل أو يرتكب جريمة بحق غيره، ويريد ببؤس واضح التحرّر مما فعل!.