علي حسن الفواز
تَتسع تداعيات الحرب الأوكرانية لتصنع وقائع سياسية جديدة، على مستوى العلاقات بين دول المنطقة، أو على مستوى خلط الأوراق بين المصالح والأزمات الأمنية والصراعات العسكرية، ولعل قرار تركيا بحظر مرور الطائرات الروسية العسكرية والمدنية عبر أجوائها، يدخل في هذا السياق، بوصفه موقفا سياسيا، وأمنيا مثيرا للجدل.
هذا الموقف قد يبعث على حدوث أزمة محتملة بين روسيا وتركيا، فبقطع النظر عن تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، بأنه تم بالتنسيق مع روسيا، فإن واقع الحال يؤشر وجود معطيات مغايرة، في سياق تطورات الحرب الأوكرانية، او ربما في تعثّر المبادرة التركية في إنجاح المفاوضات الروسية الأوكرانية، وهو ما قد يدفع إلى مزيد من التعقيد، وإلى إجراءات روسية مضادة للقرار الترك.
التفسير التركي يربط الحظر بمنع الطائرات الروسية من نقل العسكرين من وإلى روسيا، يخضع إلى قراءات سياسية وفنية، لكنه ليس بعيدا عن تداعيات الدور التركي داخل سوريا، وبحثها عن “مناطق آمنة” للجماعات التي تدعمها في الحرب، وحتى للاجئين الهاربين من معاركها، وهو رهان صعب وخطير، لأنه يعني الضغط على الدور الروسي في سوريا، مثلما يعني توظيفاُ سياسياً لورقة اللاجئين في أية مفاوضات دولية.
تطبيق أحكام اتفاقية مونترو في منع دعم الدول المتحاربة، ليس بريئاً من الحسابات السياسية، ولا عن المصالح، إذ تهدف تركيا من خلال حظر مرور السفن العسكرية الروسية من مضيقي البوسفور والدردنيل إلى تبييض موقفها إزاء “حلف الناتو” وإلى توضيح موقفها “الحيادي” في الحرب الأوكرانية، لكن القرار يحمل معه أهدافاً أخرى، يختلط فيها السياسي والأمني والاقتصادي، وعلى نحوٍ يجعل من تركيا لاعباً أساسياً ومهماً في الصراعات الإقليمية، وبحثها عن دور دولي، قد يتمثل بعقد مفاوضات قمة بين الرئيس الروسي بوتين، والرئيس الأوكراني زيلنسكي.
إن ما يربط روسيا وتركيا يرسم حول القرار التركي علامات استفهام، فالمصالح التجارية والسياحية والأمنية عميقة، وتنطوي على حسابات من الصعب تجاوزها، وهو أحد أسباب امتناع تركيا عن دعم خيار العقوبات الغربية على روسيا، لكن تعدد الملفات التركية في المنطقة، قد يضع هذا القرار في سياق الضغط، وحتى في السكوت عن إجراءاتها الأمنية في سوريا، وتعدياتها المتكررة على الشمال العراقي، وتحت يافطة إعلان الحرب على جماعات حزب العمال الكردستاني.