التحليل النفسي بين فرويد وجاك لاكان من يكذب في الحب.. المرأة أم الرجل؟

ثقافة 2022/05/07
...

 عبد الغفار العطوي 
  
من دون شك أن مدرسة التحليل النفسي في علم النفس جاءت على يد العالم النمساوي سيغموند فرويد (1856 - 1939) واتسمت بالإرث الفرويدي لمدة ليست بالقصيرة من قبل أتباعه الكثيرين الذين ملؤوا العالم المعاصر بالأفكار الغريبة عن العوالم الداخلية للإنسان، لتدخل مصطلحات تلك المدرسة إلى أسفل درجة من درجات الاستعمال العامي عند الناس في نواحي الكرة الأرضية كافة، واشتهر بعض أتباع فرويد مثل جاك لاكان العالم الفرنسي (1901- 1981) بأنه الذي أعطى لتلك المدرسة النفسية (مدرسة التحليل النفسي الباريسية) ديمومة أطول للبقاء بعد أن استطاع أن يدخلها فرويد ضمن العلوم الطبية المعترف بها، في جهوده العلمية التي بذلها، وجعلها الطريقة أو العلم في اكتشافه لدور اللاشعور داخل البنية الداخلية للإنسان، هذه الطريقة التي اعتبرت ثورة كان لها أن تغير من حياة الإنسان النفسية والفكرية من القرن العشرين حتى الآن، وفضل جاك لاكان في ذلك أنه نقلها إلى فرنسا، ورفع من شأنها، ومن شأن فرويد في إعادة القراءة لكتابات فرويد، خاصة بما يتعلق باللاشعور (جاك لاكان أطلق عليه كعادته في تدخله لصالح فكره المنهجي النفسي الغريب اللاوعي) لكن كان لاكان يمتاز بالتشدد المعرفي في منهجه، والدفاع عن المنجز اللغوي البنيوي الذي ساعده في أطروحاته الغامضة التي تعتمد على المنحى الأسطوري، مما جعل كتاباته لا تحظى بالإقبال المطلوب، فضلاً عن أن شخصية لاكان وغرابتها واضطرابها وصعوبة فهم مقولاته النفسية، وسعيه لتوظيف كتابات فرويد ومصطلحات مدرسة التحليل النفسي في أن تخدم مصطلحاته جعل جاك لاكان يتفرّد عن فرويد الذي سعى بدوره إلى تأسيس الجمعية العالمية للتحليل النفسي عام 1910، وانتشرت أفكاره عن اللاشعور الذي هو عبارة عن خزان كبير متلاطم لمختلف الغرائز المكبوتة، وبالخصوص الجنسية، وفي مقدمتها غريزة الليبيدو التي في الأساس الطاقة المحركة الأولى التي ترسم الأطر العامة لحياتنا النفسية، وهذا اللاشعور تتألف بنيته من ثلاث طبقات، الهو، والأنا والأنا العليا، واعتمد فرويد على التحليل النفسي على اللغة كوسيط بين المعالج والمريض، وراح يعلن في مدخل كتابه (الموجز في التحليل النفسي) بأن الإنسان لا يمكنه فهم جوهر التحليل النفسي، الذي هو في الأساس عبارة عن عدد غير محدود من الملاحظات، إلا إذا قام بتجريبه بنفسه، أو على غيره بما يسمى التداعي الحر أو التذكّر وفق جلسات زمنية معينة، وتكون اللغة هنا الوسط الذي يساعد بنقل المعلومات من المحلل النفسي والمريض، ويستطيع المحلل النفسي استخدام تلك اللغة في بعض المعالجات النفسية التي تشكل ركناً من أركان الفرد الشخصية، بينما كان جاك لاكان مختلفاً كثيراً عن فرويد وبدأ يرتفع اسمه لما صدر كتابه (كتابات) عام 1966 وذاع صيته ليس في باريس وغيرها من أنحاء العالم، بل ارتبط بفرويد من خلال كونه مثل الإرث الفرويدي الجديد الذي قدمته القراءة اللاكانية منذ الستينيات، إلى ما بعد الحداثة، لتبين أن الإنسان هو عبارة عن وهم ومن جهة أخرى يبدو أن تعريف إميل برييه للتحليل النفسي بأنه هو بمثابة قسم من أقسام الطب الجديدة، إنه طريقة طريفة موجهة لعلاج الانزعاجات الخفيفة المسماة العصاب، قد دفع إلى أن نجد أن معنى العودة إلى فرويد اصطدم بالمزاج الغريب المضطرب لجاك لاكان، فقد قام  بتغيير نظرة التحليل النفسي من كونه طريقة علاج بمعزل عن اللغة، إلى اللغة ذاتها، باعتبارها أفضل وسيط لعلاج تلك الانزعاجات، فقد بيّن أن اللاوعي (عند فرويد اللاشعور) هو في اللغة، وإن اللغة هي المحرك لذلك اللاوعي في تعريفه في مقترحين له، من كون اللاوعي هو مبني كاللغة، وهو كذلك مثل خطاب الآخر الذي يستحيل فهمه إلا في اللغة، وإن كان لاكان معجباً بالثورة الألسنية، فقد أسس اللاوعي في اللغة، وقسم ذلك اللاوعي إلى ثلاثة مستويات الواقعي والخيالي والرمزي، وابتكر مرحلة المرآة في تفسير العلاقة بين الطفل والأم، في مقابل عقدة أوديب عند فرويد، ففي مرحلة المرآة أوضح في بحوثه أن مفهوم الأنا الفرويدية قد أسيء فهمه بسبب أن سمة الأنا الأساسية هي وقوعها تحت تأثير البارانويا مع توفر الشروحات الكثيرة حوله، أما بخصوص عقدة أوديب الذي درس فرويد من خلاله اللاشعور، وأثار التساؤلات في لحظته الحاسمة الإخصاء، فقد أوجد ما تسمى الرغبة وتنظيمها عند البنت والولد، وهي النقطة المعرفية التي جعلت التحليل النفسي من العلوم التي يمكن دراستها بعيداً عن تمظهراتها العلمية المعقدة، ونحن بدورنا سنقوم بالولوج إلى آليَّة الكذب في الحب، من خلال فهمنا لطريقة التحليل النفسي بين فرويد ولاكان، في توضيح مفهوم اللاشعور عند فرويد كما يحلله لاكان على ضوء عقدة أوديب، والحلقة الرمزية القائمة بين الطفل والأم والأب، وتعاملهم مع مفهوم القضيب، مادام التحليل النفسي عند لاكان قد سار على معالجة اللغة التي تمثل الوسيط في اللاوعي عند المريض، وبما أن لاكان يؤكد على أن الأنا الفرويدية تقف في نقطة الإحساس بالبارانويا، فيمكننا القول إن الحب هو عملية معقدة بين أفراد الحلقة الماضية في معرفة ما دور القضيب في الأساس، إذ يتضح أن العلاقة المباشرة بين الطفل وأمه أي أن رغبة الطفل تتطابق مع رغبة أمه وهي النرجسية الابتدائية هنا، لكن بعد ذلك يصطدم الطفل بقانون الأب الذي يحرمه مما يرغب باعتبار أن ذلك القانون القامع هو عبارة عن قضيب من كلام، ومن ثم يدل الأب على الأبوية الدالة على النظام الرمزي المكون للأسرة، فالكذب في الحب هنا هو عبارة عن تخلص الأسرة من تأثير اللاشعور الذي يحسه الأفراد بمرض العظمة.  
سأعتمد على المعجم التمهيدي لنظرية التحليل النفسي اللاكانية في هذا البحث، إذ يشكل المعجم الوسيلة المثلى لاستكشاف اللغة، لأنه يشارك معها البنية ذاتها، وهذه البنية هي منظومة تزامنية مغلقة لا يكون لأي مفهوم فيها وجوده الوضعي منفرداً، وهذا القول عند جاك لاكان يعني من الصعوبة لمثلي ينظر للتحليل النفسي من كونه مادة فلسفية محضة تدبر لغته المعقدة، وأن لاكان اعتمد على الثورة السوسيرية التي جاءت بالألسنية، فمزجها مع تخصصه في الطب النفسي، فأجد صعوبة في تقييم الكذب في الحب عند الرجل وعند المرأة، إذا لم أعتقد مع لاكان أن تفسير اللاشعور هو عبارة عن تلاعب لغوي، ففي عقدة أوديب،  يعرف فرويد عقدة أوديب على أنها مجموعة لاواعية من مشاعر الحب والكراهية التي يشعر بها الطفل تجاه والديه، ترغب الذات أحد الوالدين وتدخل هكذا في عداء مع الثاني، وأن تلك العقدة تأتي كتفسير خوف الرجل من عملية الإخصاء أو البتر للقضيب كمفهوم ليس خاصاً بالذكورة فقط، بل لتأكيد الذات من منزلة الأنا، فالحب هو الرغبة في الدفاع عن القضيب المنتزع في المستزى الخيالي، فالكذب في الحب عند الرجل هو آليَّة  دفاع للأنا في حالة البارانويا، أي أن الحب جنون الذات في لحظتها الأساسية، حينما يدرك الرجل انتقاله نحو المستوى الرمزي كرمز للذكورة، وتعيش المرأة الكذب في الحب منذ أن تعي صورتها منعكسة في المرآة، وترى نفسها كطفل تعتبر الصورة في المرآة المرأة الآخر التي تحسسها بفقدانها للقضيب وهي تعيش المستوى الخيالي الناستالوجي، فالكذب في الحب عندها يساوي رمزية فقدانها لمفهوم القضيب، والقلق من الإخصاء أو البتر، بينما تكون الأحلام التي تضع المرأة في مواجهة الإخصاء عبارة عن ألاعيب لغوية تكرّس الرغبة الجامحة عندها.