روايات تستحق القراءة

ثقافة 2022/05/09
...

 إبراهيم سبتي
 
ثمة أمر مهم في ذائقة القراءة لدى المتلقي وهو يطالع رواية ما، ذلك الأمر هو الذي يحدد أهمية الرواية من عدمها. إنَّ الذائقة المكتنزة بالثقافة والاطلاع والبحث والمتابعة والوعي والشغف، هي التي تقرر ما إذا كانت الرواية تستحق القراءة أو لا تستحق.. إذن مشكلة انتشار الرواية على مساحة واسعة في فضاء التعريف والشهرة والتحليق في سماء الإبداع الروائي، يقررها القارئ أولاً وأخيراً.. فرواية من دون قارئ حصيف ومثقف أو من دون ناقد يعي خطورة الشهرة والصيت والفنية، لا تُعرف أهميتها مطلقا مهما توزعت أو انتشرت تجارياً أو فنياً. فالقارئ الذكي العارف، يستطيع ملاحظة انسيابية السرد الروائي وخصائصه وتقنياته التي تشتمل على معطيات عدة منها الزمن والحبكة والوصف والأصوات الداخلية وهدف الكاتب أو ما يريد قوله، كل ذلك يعيه ذلك القارئ. وإن لم تكن تلك التقنيات قد سارت وفق قناعات المتلقي، فإنَّ الرواية لا يمكن أن تضع نفسها في مجال التنافس أو الشهرة أو الانتشار مهما كانت طويلة أو قصيرة أو مكتوبة بأيام أو أعوام عدة. إنَّ الروايات التي تستحق القراءة هي التي تمتلك روحية وتعاطف وذهول ودهشة القارئ وإعجابه وإثارة تساؤلاته وجعله يبحث عن أجوبة لها من خلال السرد وأحجياته وعقده ومشكلاته وتشابكاته والكلام ينطبق أيضا على الناقد. وهي قضية مرتبطة برصيد القارئ الثقافي والمعرفي بالتأكيد. الأمر الذي يخلق جمالية خاصة مغلفة بذائقة مختلفة، لكي تحلق الرواية في خيال القارئ وتسبح في فضاء تفكيره طويلا بل ستمكث في عمق ذاكرته إلى الأبد أحيانا. ومن خلال تاريخنا القرائي، علقت الكثير من الروايات في ذاكرتنا ولم تبرحها أبداً، تلك التي منحتنا فرصة للمتابعة والبحث والإعجاب.. فرضت نفسها على التفكير وإثارة الأسئلة والأهم أنها كانت بمضمون رفيع ودهشة لا تنسى رغم زحمة الأشياء التي تلعب بالذاكرة والهموم المؤبدة التي لا تبرح حياتنا.. إنها روايات مخزونة كرصيد ثمين، بسبب أنها مثيرة وقوية وفيها موضوع ساحر ومعالجة متمكنة، وجعلت من الذائقة تصحح مسارها أحيانا. فروايات عالمية وان كانت كلاسيكية أو حداثوية فالأمر واحد في التحصيل القرائي لأنّها ستبني تلا مهيبا من الجمال والأسئلة التي لا تنتهي. وهنا أورد أمثلة لبعضها وهي ليست بالضرورة متميزة لكل قارئ بالتأكيد، فالأمر أولا وأخيرا هي ذائقة شخصية. 
أورد هنا بعضها مثل يولسيس لجيمس جويس وغاتسبي العظيم لسكوت فيتزجيرالد ولوليتا لفلادمير نابوكوف وعناقيد الغضب لجون شتاينبك. وقد سرح خيالنا فيها لدرجة الوله أما رواية العطر لباتريك زوسكيند، فقد سيطرت على مفاهيم وأبجديات الوعي تماماً ومثلها عشرات غيرها سجلت حضوراً متميزاً في رصيد الذاكرة وخاصة ما كتب في منتصف القرن العشرين إلى آخره بل شملت حتى روايات دان براون المثيرة للقلق واستبصار الأشياء. وعربيا علقت في الذاكرة روايات كثيرة منها على سبيل المثال لا أكثر، رواية الخبز الحافي لمحمد شكري والسراب لنجيب محفوظ وموسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح ورواية الشمس في يوم غائم لحنا مينا والرجع البعيد لفؤاد التكرلي وموت الأب لأحمد خلف وعشرات غيرها متميزة وخاصة تلك التي صدرت عربيا وعراقيا في العقدين الماضيين والتي تميزت بحداثة موضوعتها وطرق معالجتها والقفز بالسرد نحو عوالم مدهشة أكثر وخاصة الأعمال العراقية التي احتلت مكانا مثيراً في ترتيب أولويات القراءة وأهمها تلك التي كتبت بعد العام 2003. إنها روايات تستحق القراءة لأكثر من مرة ولأكثر من سبب، فهي تهب متعة القراءة البحثية الواعية والمبنية على ترسانة هائلة من الحداثة والتنقيب في المسكوت عنه ومن ثم تمنح نفسا جديدا يغاير التقليدية التي ترغم القارئ أحياناً على الابتعاد عن القراءة والمتابعة، روايات تستحق لأنّها تجبر القارئ الذكي على البحث الدائم عن فك شفرة الأسئلة التي يطرحها الكاتب داخل روايته.