إنعام كجه جي: اللغة تأتي من الممارسة

ثقافة 2022/05/15
...

 حاورها: حسن جوان
روائيَّة وصحفيَّة بارعة، تمتاز بلغة منسابة ومفارقات نازفة عميقة الدلالات. تناولت المجتمع العراقي ومصائر أفراده المقترنة بالتحولات المشوبة بالعنف والهجرة والاغتراب. هي خليط من وطن ينتظمه نهران من الوجع والابتسامة المكتنزة باللوعة. ولدت في بغداد العام 1952 وفي جامعتها درست الصحافة. عملت في الصحافة والإذاعة العراقيَّة قبل انتقالها إلى باريس لتكمل أطروحة الدكتوراه في جامعة السوربون. 
 
فضلا عن إسهاماتها الأدبيَّة، تعمل حاليا مراسلة في باريس لجريدة الشرق الأوسط اللندنيَّة ومجلة «كل الأسرة» في الشارقة- الإمارات العربيَّة المتحدة. نشرتْ إنعام كجه جي كتابا في السيرة بعنوان «لورنا» عن البريطانية لورنا هيلز التي كانت متزوّجة من النحّات والرسام العراقي الرائد جواد سليم. كما نشرتْ كتابا بالفرنسية عن الأدب الذي كتبته العراقيّات في سنوات المحنة والحروب.
 كما سبق أن أعدت وأخرجت فيلمًا وثائقيًّا عن الدكتورة نزيهة الدليمي، أول امرأة أصبحت وزيرة في بلد عربي العام 1959. لها من الروايات «طشَّاري» و «سواقي القلوب» و»الحفيدة الأميركية» (2008) التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية العام 2009 وصدرت بالإنجليزية والفرنسية والصينية. تواصلنا معها فكان هذا الحوار الخاص
بـ «الصباح»:
 
* بحثتِ عن جواد سليم من خلال لورنا، وعن الزعيم والجمهوريَّة من خلال نزيهة الدليمي، هل تشكل المرأة مفاتيحك لسرد الشخصيات والتحولات الكبرى؟.
ـ لم أفكِّر بالأمر. ربَّما لأنَّ النساء اللواتي لعبنَ أدواراً مهمة في مسيرة المجتمع العراقي لم يأخذنَ نصيبهنَّ من التوثيق. العشرات منهنَّ رحلنَ طاويات الصدور على أعمار من العمل والمشقة. في مقدمة فيلمي المتواضع عن الدكتورة نزيهة الدليمي طرحت السؤال على عراقيين وعراقيات في الشارع عنها فلم يعرفها أحد. 
 
* قضايا الأفراد والمصائر الشخصيَّة هي هموم عميقة في ثنايا أعمالك السرديَّة ومقالاتك الصحفيَّة، كيف تنظرين إلى هيمنة الجماعي على الفردي لا سيما في التجربة العراقية المشحونة بموجات العنف؟.
ـ نعم، دلّني على مواطن أو مواطنة عاش حياة طبيعيَّة في العقود الأخيرة ولم تحرف التقلّبات السياسيَّة العنيفة والنزاعات الحزبيَّة والحروب مصيره. 
 
* كيف يتسنى لك الاستزادة من ذات المناهل العراقيَّة كرصيد سردي رغم عقود من الإقامة في
باريس؟.
ـ هواتفي لم تنقطع مع أهلي. ولم أنقطع طويلاً عن السفر إلى العراق. كنّا أيّام الدراسة الجامعيَّة نقف بالدور أمام كابينات الهواتف العموميَّة في باريس لكي نطمئن على أسرنا. 
بعضنا يلصق قطعة الفرنك بشريط لاصق وخيط لكي يستعيدها من بطن الآلة ويعاود وضعها في فتحة النقود من جديد. كانت المكالمات مكلفة. ثمَّ جاءت الفضائيات ووسائل التواصل وصرنا نعيش في حارة واحدة. ولا تنسَ أنَّ عملي المتواصل في الصحافة يضعني في تماسٍ مع الأحداث.  
 
* تمتاز رواياتك باللغة الهادرة ومزاج تصويري ينبئ عن انفتاح في الحواس ومشهديَّة ترضي فضول المخيلة لدى القارئ، فهناك نوع من بلاغة الصورة مضاف الى بلاغة الموقف، وهل يعود ذلك الى ميولك التصويريَّة او السينمائيَّة؟.
ـ لا أدري. السينما صارت اليوم محبوبة كلِّ البشر. أظن أنّني أمتلك حسًّا دقيقًا للملاحظة وأجتهد في وصف التجارب الغريزة التي عشتها والشخصيات التي تعرفت عليها. أنا كائن عاطفي. واللغة تأتي من الممارسة. 
 
* لا تخلو المواقف لديك من سخرية او نكتة عابرة وسط مشهديَّة جادَّة أحياناً، هل تجدين في النكتة والمفارقة التي ترطّب حواشي المأساة ملاذًا نفسيًّا من وعورة الواقع؟.
ـ في نشأتي الأسريَّة كانت النكتة حاضرة في الجلسات. ثم أنت لا تستطيع أن ترمي القارئ بقصص الهجرة والتعذيب والاغتصاب والموت والاحتلال وتتركه يفطس تحت وطأتها. الحل في الكوميديا السوداء. وما يراه البعض طرفة أراه نزفاً. 
 
* هناك تضافر وترافد بين اشتغالك السردي وعملك الصحفي، أيُّ الحقلين يرفد الآخر بالقصة وقوة المخيلة؟
ـ ألتقط المواقف من الصحافة وأسردها موجزة في المقالات ثم أتركها تمدُّ أرجلها في الروايات. 
 
* منذ «طشَّاري» الى «بلاد الطاخ طاخ» كان هنالك وطن يمور أو يتلعثم أو يطلق نكتة ساخرة نحو مصيره البركاني، هل ترينَ خلاصاً لهذا الوطن في القابل من السنوات من هذا المصير؟.
ـ لستُ عرَّافة وأقل منها متفائلة.