أيباااه.. فلاح كاظم!!

الرياضة 2022/05/15
...

علي رياح  
كانت مدرجات ملاعبنا، في عهود مضت، رائقة يخيّم عليها الكثير من الوداعة، حين كانت تحتضن وجوها فنية وثقافية ومجتمعية بارزة تتخذ مواقعها وسط الجمهور.. تشاهد، وتتفاعل، وتوزع الابتسامات في كل اتجاهات.. كما أنها كانت تطلق هتاف الاستمتاع عند اللزوم! 
نظرة واحدة على تلك البؤر الجميلة التي تتجمع حول وجوهنا البارزة في أماكن معروفة لدى الجمهور، كانت تبعث فينا الشعور بأن أية محاولة للإساءة إلى لاعب أو مدرب أو حكم كان محكوما عليها بالفشل في المهد، وجود تلك الوجوه المعروفة كان ينزع الفتيل، ويحث على ضبط إيقاع المشجعين في الدائرة المحيطة بهم، فكانت العدوى الإيجابية تنتقل إلى مدرجات الجوار القريبة خجلا من أية عبارة جارحة أو خادشة! 
كنت كثيرا ما أترك مقعدي في مقصورة الصحفيين كي أجلس وسط من أعرف من فنانين ومثقفين لهم ولع مدهش بالكرة، في مباريات الجوية كنت أرافق كامل القيسي ونزار السامرائي وقاسم إسماعيل ورائد جورج، وفي مباريات الزوراء أشعر بسعادة جارفة في صحبة فاضل خليل وإسماعيل الفروجي ومقصد الحلي، وفي مباريات الشرطة كان الشاعر فالح حسون الدراجي ومعه محمد حسين كمر وفاضل جاسم وصلاح حميد، وفي مجموعة الطلبة عارف محسن وكاظم الساهر وفلاح عبود، وبالطبع أنا لا أريد أن اتوسع في قوائم المشاهير – المشجعين لأنها ستستحوذ على مساحة العمود كله..  
في العقدين الأخيرين من الزمن ودّع بعض هؤلاء عالمنا الى رحاب الباري عز وجل، وبعضهم آثر الرحيل إلى خارج الديار، المتبقي منهم أعلن الطلاق البائن مع الملاعب وصار يكتفي باتخاذ مقعد أمام الشاشة لمشاهدة المباريات، لكنها هنا منزوعة الروح والتفاعل بالنسبة له، ولكن ما العمل، فالذهاب إلى المدرجات صار مكلفا، يضرّ بالأذن لما تتلقاه من مقذوفات سمعية!  
الفنان والأديب والمثقف العراقي كان يذهب إلى الملاعب كي يرى وجها مشرقا للتفاعل الاجتماعي حتى في أشد لحظات الغضب على خسارة أو قرار تحكيمي فادح الضرر، واليوم لا نجد له أثرا! 
كنت أعرف كثيرا من مشاهيرنا يتمسّـكون بالحديث عن الكرة حتى لو لم يكونوا متابعين حقيقيين لها.. دافعهم في ذلك التماهي مع العشق الجارف للكرة ومحاولة الانطلاق منها إلى جمهورها الواسع! 
أذكر – وللدعابة هنا – أنني التقيت في فندق (هوليداي إن) بمنطقة الفروانية في الكويت مع الفنان المبدع عبد الله رويشد، ودار بيني وبينه حوار لمجلة (الرياضي العربي).. الرجل أبدى قدرة عالية في الحديث عن الشأن الكروي الكويتي بنجومه وفرقه، لكنني حين سألته عن الكرة العراقية ونجمه المفضل فيها قال: حسين سعيد ورعد حمودي وعدنان درجال وناطق هاشم وحبيب جعفر وأحمد راضي.. ثم تذكر لاعبا آخر ومدّ باطن كفه ليمسح بأعلى رأسه مرددا عبارة: أيباااه.. فلاح كاظم! 
كان واضحا أنه مزج بين نجمينا الكبيرين فلاح حسن وعلي كاظم، لكنه كان يعني بمسحة الرأس فلاح حسن كدلالة على الصلعة البَهيّة!!