وليد خالد الزيدي
يزخر العالم اليوم بشواهد كثيرة دللت على تطوره وانتقاله من حال الى حال أفضل استنادا على إيلاء الفكر الإنساني أهمية قصوى، حينما ارتكز على حاجات الإنسان في ظل متغيرات حياتية متسارعة، ولنا في النهضة الاوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وما تلاهما من فترات انتقالية مذهلة، تجربة نافعة، لا سيما في ما أحدثته البلدان الاوروبية من نهضة اقتصادية واسعة، بعد أن كانت أوروبا تعتمد في الأساس على اقتصاد الزراعة والتجارة والنقل البدائي، والحرف البسيطة المتوارثة.
أصبحت في تلك الفترات تنمي افكارها بصعود مصدر اقتصادي أكثر شمولا مما سبق وهو الصناعة والتطور التقني الذي أحدث بالفعل ثورة غطت على كل المصادر الاقتصادية السابقة، بل دخلت كعنصر عزز كل ما كان قديما، فأدخل المكننة في الزراعة، والتجارة، واستحدث وسائل أخرى للنقل، فكثرت الورش البدائية وتحولت الى معامل متخصصة، ثم تطورت الى مصانع ضخمة أكثر تخصصا، فكانت عبارة عن تغييرات شملت أساليب الصناعة الحديثة، فأصبح الإنسان يستخدم الآلات في عمله بدلا من العمل اليدوي.
وتحقق بذلك أمران مهمان هما الدقة والسرعة في الانتاج، وتحول الفكر الاقتصادي الاوروبي من اقتصاد زراعي بدائي الى صناعي متطور، فكان ذلك له أثر كبير في انتعاش حياة المجتمعات الاوروبية من ثقافة الصراعات المسلحة الى ثقافة التنافس الاقتصادي، والبحث عن مواد أولية للانتاج الصناعي، فنمت بداية الأمر صناعة الغزل والنسيج والجلود والصناعات المنزلية ثم الآلة البخارية وآلة الطبع والقاطرات، وظهرت صناعة المحركات إذ تعززت باستخدام البترول والكهرباء، فبرزت الحافلات، والسيارات والشاحنات، والسفن، والحديد والتعدين، وخصصت لذلك مصانع كبيرة عمل فيها آلاف العمال، متخصصين وغير متخصصين.
وما نريد قوله إنَّ تلك المصانع كانت النواة الاولى لريادة الاقتصاد الوطني للدول الاوروبية الصناعية لا سيما في بريطانيا، المانيا، ايطاليا، فرنسا، روسيا، ودول اوروبية أخرى، وازدهرت بذلك حركة رؤوس الأموال واتسعت الأسواق وتطورت وسائل النقل، وكثرت مظاهر سوق العمل وظهرت طبقات العمال والتجار والمهنيين.
وما نريد التوصل إليه هو أنَّ العامل الصناعي يعد أهم ركائز النماء الاقتصادي بحيث ترتكز عليه أكثر خطط التنمية الشاملة لأنّه يعزز بقية العوامل الاقتصادية الأخرى كالزراعة والتجارة والنقل والسوق، ولهذا لا بد من التسليم بأن بلدنا وهو يعيش انفراجا في الفكر الاقتصادي وانفتاحا واسعا على العالم اليوم، ومن المهم أن يستفيد من التجربة الاوروبية إبان نهضتها الصناعية لتنمية الاقتصاد العراقي إذا ما أردنا أن نسمو بحياة مجتمعنا إلى أفضل ما يمكن أن نبلغه.
وهنا لا بد من الاهتمام بإعادة المعامل والمصانع في جميع مناطق العراق، وبالإشارة إلى دعوة رئيس غرفة صناعة بابل محمد عمران للوقوف مع أصحاب المعامل في محافظته والتقليل من الروتين والمساهمة في إعادة الإنتاج وتشغيلها باعتبارها خطوة لبناء ركيزة أساسية في تدعيم الاقتصاد الوطني بعد أن توقفت عن العمل وسُرِّحَ عمالها بسبب قدم خطوطها الانتاجية وعدم
تحديثها.