أربــع قصــائــد

ثقافة 2022/05/19
...

 طالب عبد العزيز 
 
(1)
تعالَ، سأقتسمُ معكَ ما تبقّى من الظِّلال 
أرشدُك الى الحفرةِ التي اتخذتُها مأمناً  
أريكَ الثيابَ التي لا تبْلى بالنأيِّ 
والعينَ التي لا تنطفئُ بالسَّهرِ والانتظار..  
والمالَ الذي لا يرثهُ الأبناءُ، 
والكتبَ التي لا تُستنفدُ بالقراءة 
والأقلامَ التي لا تُبرى بالغيضِ، ولا تُشحذُ بالأفكار 
الغربةَ التي ادّخرتُ، والحمّى حيثُ اصطحبتْ 
وما لم أُطلعْ عليه أحداً، من قبل 
فهذه ساعتنا الأخيرة 
لقدْ أفلتتِ الكفُّ الكبيرةُ السماءَ
وتداككتِ الرّيحُ، فهي تُعْوّل في الثُّغور 
ومثلما كنتَ تبحثُ في الأضرحةِ 
عن ماسةِ عينكَ المُطفأة ..   
تعالَ، نواري في جيبِ الأرض هذه
حكايةَ النُّورِ والأمنياتِ البائسةِ تلك. 
(2)
الآن، سأطرقُ البابَ هذه 
وإنْ لم يفتحْها أحدٌ لي 
سأنامُ على العُشبة الرَّطبة تلك، 
غيرَ مبالٍ بجرذان الحديقةِ ..
لكنني، سأعود، وأطرقها ثانيةً 
غيرَ مُصدّق بأنَّها قفرٌ من الناس
أوْ لمْ يُبصرّني من النافذةِ أحدٌ 
وإن ظلّتْ حبيسة أقفالها 
وذبلتْ تحت كتيبتها النجوم 
سألجأ الى العُشبة الرَّطبة خائباً 
أو أبحثُ عن مصطبةٍ فارغة 
تتسعُ لي، أو لا تتسع .. لا يهمّني كثيراً 
لكنْ، إذا ما فتح أحدُهم باباً  
أو أطلَّ آخرُ برأسه من النافذة 
سأقول له: 
لقد أمضيتُ الليلة على العشبة هذه 
أو أشيرُ الى المصطبة الفارغة تلك.  
(3)
أتركْ دموعكَ تخدشُ حياءَ القطن
في الوسادةِ ما يستحقُ ليروى، بمثلِ الماءِ هذا ..
قفْ، حيثُ أنتَ، حيثُ أنتَ، لا أقلّ،  
وإذا ما انتهكتِ الستارةَ الرُّيحُ الغاضبةُ
تذكّرْ وقوفَك، الذي تبلوهُ الشمسُ 
وفي ما تهدَّمَ من آجرِّ السُّلَّم،
بين القمصانِ والكلسوناتِ وأصصِ الورد 
ابحثْ عن حذائِها الأبيض..
وعن حقيبتها السوداء أيضاً   
ليستِ الصورةُ المعلّقةُ أكثرَ بُعداً اليوم
هو ما يتراجعُ منكَ بالنبيذُ، حسبْ    
ومثلما كنتَ تحظى بابتسامتِها عُقيبَ كلِّ عناق 
ستلاحقُك، وإلى الأبد 
رائحةُ المنيِّ بالوقار في جسدِها 
الذي يتهدّمُ في الأريكةِ الآن. 
(4)
لا تأتني بكيسِ المَحارمِ 
فأنا عذراءُ مذ غِبْت ...
ولا تهملْ قميصي، 
على حَبْل الغَسيل، وإن كانَ ملوّناً 
خذه الى خَزانةِ ثيابِك، 
مع أربطةِ عنقِك وسراويلكِ القصيرة 
شيءٌ ما سيحرّرُه من غربته هناك.
وإذا نسيتَ علبةَ سجائِرك على الطاولة 
تذكّر، بأنّني فقدتُ ذراعي تحتَ وسادتِك 
الى اليوم- مساءَ الجمعة- أعني 
أُوهِمُ خَصْري بالنَّجاة من أصابعِك 
 كنتُ انتظركَ طويلاً .. أيّها المعنيُّ 
بأصص الزَّهر على الشرفات. 
           **** 
ظلَّ صنبورُ الماء يجري في المُتنزّه العام 
حتّى الصباح.. 
وحديقةُ بيتي ظامئةً تحتَ السِّياج 
لا أجدُ ما أُضمرهُ، فأنا عشبةٌ بين بلاطتين 
لئِن أطفأتِ النساءُ غمّازتيك سَهَراً وسَكَراً وكركرات  
سأستغفرُ لكَ الجلّنار ..
ففي السَّريرِ متسعٌ لأيائلكِ ما يزال.