في ذكرى استشهاده الـ 18 .. قاسم عبد الأمير عجام.. مسرحيَّاً

ثقافة 2022/05/19
...

 د. بشار عليوي
صبيحة يوم 17/ 5/ 2004، فجعنا جميعاً باغتيال واحد من أهم المثقفين العراقيين التنويريين في تاريخ العراق المعاصر، المثقف العراقي العضوي «قاسم عبد الأمير عجام» الناقد السينمائي والتلفزيوني والمسرحي والمهندس الزراعي، الذي عرف بعصاميتهِ وموسوعيتهِ وثقافتهِ النقدية الهائلة خصوصاً في مجال الدراما التلفزيونية والسينمائية، ناهيكَ عن عشرات المقالات والأبحاث في النقد الثقافي والسياسي والمجال الزراعي وترجماتهِ العديدة وحضورهِ البارز واللافت في المنابر الثقافية والأدبية على مساحة الوطن.
 هذا هوَ «قاسم» ملاك بابل وسليل حضاراتها الذي تعمَّدَ بحُب العراق وصاحب مشعل المشروع الثقافي العراقي التنويري وأحد مثاباتهِ المهمة وممن كنا نُعوّل عليهِ «رحمهُ الله» في رسم مسارات جديدة لثقافتنا العراقية وأحلامهِ النبيلة ومشروعهِ التنويري الذي كان (ثمرة صبر كانتْ أقرب للقبض على الجمر) كما قال هوَ،  لكن يد المنون كانت أسرع.
هو قاسم عبد الأمير حسون عجام الخفاجي ولدَ في محلة «النزيزة» وسط مدينة المسيب عام 1945، والدهُ يعمل عطاراً في سوق المدينة ووالدته كانت تعمل (مُلا) في تعليم وتحفيظ القرآن الكريم للصغار وقبل ولوجهِ الدراسة الابتدائية، قرأ القرآن وختمهُ في الخامسة من عمرهِ، ليدخل المدرسة وهو في عمر الـ 5 بفضل حفظه وتلاوتهِ للقرآن الكريم وحفظه للشعر، وقد كان متفوقاً على جميع أقرانهِ فيها وقد أكمل دراسته الابتدائية في مدرسة المسيب الابتدائية عام 1957، ومن ثم تخرج من «متوسطة الحِلّة للبنين» في الحلة عام 1960 لينتقل مُجدداً الى «ثانوية المسيب» التي تخرج منها ليلتحق بكلية الزراعة بجامعة بغداد ليتخرج منها بتفوق ويواصل دراسته الجامعية من خلال حصوله على شهادة الماجستير عام 1977، أعتقل مرات عديدة في المسيب وفي سجن الحلة المركزي عندما كان طالباً في الثانوية والكلية، ومن ثم حصل على شهادة دورة الري والبزل من الكلية الوطنية للهندسة الزراعية من بريطانيا 1982، قام بالتدريس في المعهد الفني في المسيب وعمل موظفاً في مشروع المسيب حتى تقاعده، نشر عشرات الدراسات والبحوث في المجالين الزراعي والادبي والفني وفي النقد الثقافي كما شارك في مهرجانات وندوات متنوعة، وهو عضو هيأة إدارية ثم رئيس لاتحاد أدباء بابل بعد سقوط النظام السابق ثم تم اختياره مديراً ناحية كوثا (جبلة) ثم مديراً عاماً لدار الشؤون الثقافية العامة بوزارة الثقافة، صدرَ لهُ (ايجاد حامل مناسب لرازوبيا فول الصويا من مواد متوفرة محلياً/ تعايش البقوليات والبكتريا العقدية: أسسه وتطبيقاته/ الضوء الكاذب في السينما الاميركية/ الكثافة اللاذعة/ مشروع المسيب الكبير)، كما صدرتْ بعد وفاته الكتب التالية التي تناولت مُنجزه الثقافي والأدبي (النور المذبوح «قاسم عبد الامير عجام عين ثقافة العراق»، اتحاد أدباء وكتاب بابل/ القابض على الجمر: إعداد د. نادية غازي العزاوي/ قتل الملاك في بابل، تحرير: علي عبد الأمير عجام) . 
عرفناهُ ناقداً سينمائياً وتلفزيونياً لامعاً شَهِدتْ لهُ المنابر الإعلامية والثقافية كافة، ولكن علاقته بالمسرح فكراً ونقداً لم يتم تسليط الضوء عليها بما يكفي لأسباب عديدة لعلَ أبرزها الحضور الطاغي لهُ في مسالك النقد والعمل الثقافي الثري، فهوَ كانَ عاشقاً للمسرح ولرجالاتهِ اذ ابتدأت تلكَ العلاقة بشكل مُبكر من حياة «عجام» فيذكر أستاذه مهدي الأنباري أن (قاسم حينما كانَ طفلاً كان يمتطي الحصان مؤدياً شخصية «الإمام القاسم (ع)» في المواكب الحسينية في مدينة المسيب وكان يتلو حينها القصائد الحسينية من على ظهر الحصان ولمسافات طويلة)، وكانَ يتابع بشغف المسرحيات التي كانتْ تقدم في مسرح مدرسته الابتدائية «مدرسة المسيب» فضلاً عن قيامهِ بالتمثيل في مسرحية قصيرة كتبها وأخرجها أستاذه «أحمد جميل» وكانت المسرحية تحث على محو الأُمية والدعوة لتعلم القراءة والكتابة وكان ذلك عام 1956، وحينما تم ابتعاثه للتدريب الى القاهرة عام 1972 فحضر ندوة واسعة لكبار كتاب ومخرجي وممثلي المسرح المصري يتقدمهم الأديب الراحل «نجيب محفوظ» الذي ارتبط معهُ بعلاقة ثقافية متينة، فنشر قاسم أولى مقالاتهِ المسرحية بعنوان (مشاكل التعبير في المسرح المعاصر- مع مسرحيين مصريين في مجلة «الثقافة» ببغداد) بعددها الـ 8، الصادر في آب 1972، كما نشرَ مقالة في النقد المسرحي حملت عنوان (اعلانات مسرحية) في جريدة «الثورة» العراقية بعددها الصادر يوم 5/8/1988، وتسعينيات القرن الماضي، كان احد الباحثين البارزين المشاركين في الحلقة الدراسية التي نظمتها نقابة المسرحيين في بابل عام 1995 ببحث عن «المسرح في العراق القديم»، وحينما قامتْ نقابة الفنانين في بابل بتأسيس (مهرجان المسرح البابلي) كان حضوره النقدي فاعلاً في جميع دورات المهرجان الخمسة، ففي دورة المهرجان الاولى عام 1998 تولى التعقيب النقدي على أحد عروض المهرجان، وفي الدورة الثانية عام 1999 كان عضواً في لجنة مشاهدة العروض الخاصة بالمهرجان، وفي الدورة الثالثة عام 2000 عضواً في لجنة مشاهدة العروض وقراءة النصوص، وفي الدورة الرابعة عام 2001 عضواً في لجنة المشاهدة وفي لجنة التحكيم، وفي الدورة الخامسة عام 2002 كان عضواً في لجان المشاهدة وقراءة النصوص والتحكيم.
ونشرَ مقالتهِ النقدية التي تعنونت بـ (وليس النص المسرحي فقط) في جريدة «الجنائن» البابلية بعددها الـ 26 الصادر في 16 / 11 / 2000، وجاء فيها (إن غياب المسرح الحقيقي عن مأساتنا وهي مأساة شعب عريق بأكمله، يؤشر خللاً غير عادي في الحياة الثقافية ولا نقول ذلك من باب المسؤولية الثقافية ورسالة الإبداع وصلتهما العضوية بالواقع الاجتماعي فحسب وإنما نقوله بأسى من باب الفن المسرحي نفسه)، كما نشر مقالتهِ النقدية في ذات الجريدة بعددها 99 الصادر في 13/ 5/ 2002 وحملت عنوان (من عروض مهرجان المسرح البابلي الخامس- معلم الجغرافيا بين رحابة الأفق وضيق الواقع)، وحينما نظمتْ رابطة المسرحيين الشباب في بابل (تولى رئاستها كاتب السطور) تنظيم بعنوان «مسابقة حامد خضر  للنصوص المسرحية»، وهي أول مسابقة للنصوص المسرحية تُنظم في بابل حملت اسم راهب المسرح العراقي «حامد خضر»، تقدمَ للمُشاركةِ فيها عديد الكُتاب المسرحيين من مختلف أنحاء العراق، وشاركَ فيها أكثر من 15 نصاً مسرحياً لطائفةً من الكُتاب، وحينما قررنا تشكيل لجنة تحكيمية للمُسابقة، فرض الحضور الثقافي النوعي والمؤثر لشهيد الثقافة العراقية على المُبادرة بمُفاتحتهِ ووافق على الفور تشجيعاً لنا وتم تشكيل لجنة التحكيم التي رأسها الناقد د. محمد أبو خضير، وعضويتهِ هوَ بمعية الباحث ناجح المعموري، وإياد كاظم السلامي (الدكتور لاحقاً) مقرراً للجنة، ونُظمَتْ احتفالية مسرحية كبرى لإعلان وتوزيع النتائج، يوم الأربعاء الموافق 19/ 12/ 2001 على قاعة مركز شباب الإسكان في الحلة، وانبرى «عجام» لقراءة البيان الختامي للمسابقة وحملتْ ورقته النقدية عنوان (نصوص ضد التهريج) قدمَ من خلالها رؤيته النقدية والثقافية حول ماهية المسابقة والنصوص المُشاركة فيها. أن مثلكَ لا يموت أبدًا يا «قاسم» وإننا إذ نرثيكَ، فإنما نرثي فيكَ العراق كله، نرثي أنفسنا وأرواحنا وعيوننا التي غابت عنها تلك الابتسامة الأثيرة لديك يا أيها النبيل والشريف في زمن التلوث، ستبقى حيَّاً فينا.